الكاتب: Support
بسم الله الرحمن الرحيم
الشعب الليبي الكريم
تبَعثُ ذِكرى استقلال بلادنا العزيزة والتي نلتقي جميعاً احتفالاً بها اليوم ؛ في أنفسنا فخراً وتَأثّراً، ونحن نستذكر ما استطاع آبائنا وأجدادنا وفي مقدمتهم الاب المؤسس الملك ادريس السنوسي من تحقيقه بتوفيق من الله عز وجل، مُكَللاً بالإخلاصِ والصدقِ والتفاني، من إنجازٍ نجحوا من خلاله أن يجمعوا أطراف بلادهم المترامية في وطن واحد ، رافعين فوق راياته، شعار التطلع إلى مستقبل واعد في دولة يحكمها الدستور والقانون.
وكما تُحيي هذه الذكرى فينا مشاعر الإعتزاز بما استطاع الليبيون تحقيقه منذ عقود طويلة، فإنها في ذات الوقت، تبعث فينا مشاعر الأسى لما آلت إليه أوضاع بلادنا خلال السنوات الماضية، من صراعات مدمرة على المال والسلطة، حوّل من خلاله العابثين بمقدرات بلادنا؛ أرضها إلى ساحة للحروب والاقتتال، وبثّوا بين أفراد شعبها الأحقاد والنعرات، ولقد عانى مواطنونا من هذا العبث والتلاعب الداخلي والخارجي طويلاً، وقد آن الوقت لأن ننفض عن أنفسنا وعن بلادنا هذه الحقبة المظلمة من تاريخنا، وقد آن لهذه المعاناة أن تنتهي.
لم يخالجني شك طوال العقود الماضية، أن شعبَنا الأبيّ سيظلُ شامخاً وحائلاً أمام أي محاولات لسرقة حقه التاريخي في استرجاع شرعيته الدستورية المتمثلة في المملكة الليبية، التي تعرضت خلال سنوات طوال لمحاولات وحملات من التشويه والتشكيك ليس آخرها محاولة اختطاف دستور دولة الاستقلال من قبل البعض ، بعد أن بات واضحاً للجميع أنه لا سبيل لإصلاح حال وطننا، إلا بما صلُح أولّه.
لقد أمضيت الشهور والسنوات القليلة الماضية في اللقاء والتشاور مع العديد من القوى الوطنية والاجتماعية في بلادنا، والتي اتفقت جميعاً على اختلاف أفكارها وتوجهاتها، أن الشرعية الدستورية المتمثلة في المملكة الليبية لا زالت تمثل المظلة المناسبة لشركاء الوطن الواحد، وأنه لا سبيل للخروج من المأساة التي ألمت ببلادنا، إلا من خلال حوار وطني يضع نصب عينيه الوصول إلى بر الأمان المتمثل في دولة يحكمها الدستور .
لقد أوضحت في جميع لقاءاتي مع ممثلي القوى الدولية هذه الرؤية الوطنية الواضحة، والتي لا تقبل التأويل أو التسويف ، في بناء الاتفاق الداخلي حول البناء السليم للعملية السياسية التي تحمل آمال مواطني بلادنا في الوصول إلى طريق يضمن لأمتنا وضع اللبنات السليمة لبناء المستقبل الزاهر والاستغلال المناسب لحفظ ثرواتنا بما يخدم أجيالنا المستقبلية، وموضحاً أننا سنحرص على أن نوفّر خلال المدة القادمة الدعم اللازم لما تتطلبه هذه الخطوات من تشجيع ورعاية مناسبين.
إن الاختلاف في الآراء والتوجهات هو لأمر إنساني يتوافق مع ما جُبلت عليه طبيعتنا البشرية التي صورنا الله سبحانه وتعالى عليها، ولكن هذا الاختلاف يجب أن يترفع عن الأحقاد والكراهية التي لا تؤدي إلا لمزيد من الشقاق والتباعد. يجب علينا جميعاً أن نمد أيدينا إلى بعضنا البعض، متحررين من أي ماضٍ مؤلم يُكبّل نفوسنا ، وأي أحقاد تلبّد عقولنا ، وأن نسمو فوق واقعنا المؤلم، وأن نشترك جميعاً في بناء طريقٍ مشرق لأجيالنا المستقبلية في وطن يسوده العدل والمساواة والإخاء .
ليبيا لديها فرصة اخري للديمقراطية
حاول الليبيون قبل أحد عشر عاماً استعادة حريتهم والتمتع بالحماية من حكومة ديمقراطية، إلا أن كل محاولات ضمان تلك الحريات لليبيين، خلال الأحد عشر عاما الماضية، باءت بالفشل أو لم تكتمل في أحسن الأحوال. وفي أسوء الأحوال، انتهت مخلفّة وراءها الرعب والحرب. وفي 22 من يونيو، ستغلق الأبواب أمام منتدى الحوار السياسي الليبي، وهي أحدث محاولة للأمم المتحدة من أجل بناء الديمقراطية الليبية. ويحبس الليبيون أنفاسهم الآن في انتظار ما سيحدثه الفشل القادم.
ويعد الافتقار للشرعية الناجم عن عدم أخذ تاريخ ليبيا الفريد بعين الاعتبار من بين أهم هذه الإخفاقات. لذا، ينبغي تغيير الوضع.
كل دولة ديمقراطية لديها فكرة خاصة عن الهوية الوطنية، وتستمد المؤسسات جذورها من قصة وطنية. فبينما تشترك الديمقراطيات الكبرى في العالم في قيم متشابهة، فإنها تعبر عن هذه القيم بطرق مختلفة. فالنظام الأمريكي لن ينجح في فرنسا، كما ان النظام الفرنسي الرئاسي القوي لن ينجح في أمريكا. ومع ذلك، فإن كلا المؤسستين ديمقراطيتان وشرعيتان نظراً لخصائصهما التاريخية. وتوفر هذه الخصائص أي ًضا شعو ًرا بالهوية الوطنية، مما يجبر الناس والسياسيين على ح ٍد سواء على التفكير في مستقبل الأمة.
مثل أي دولة أخرى، تحتاج ليبيا إلى ما يربطها بالماضي. وخلافا للرأي العام، فهي تملك ذلك بالفعل. الليبيون لا يقومون ببناء دولة من الصفر، وإنما يستمرون بدلا من ذلك من حيث توقفوا منذ ما يقرب من 50 عا ًما.
تأسستليبياكدولةديمقراطية.وبعدعقودمنالاستعماروالحرب، ُوضعتليبياعلىطريقالاستقلالفيعام1947. بعدها، كما هو الحال الآن، كانت ليبيا ممزقة بسبب الانقسامات الجغرافية والقبلية. ولإيجاد حل، انخرط كبير مفاوضي الأمم المتحدة، أدريان بيلت، مع مئات الليبيين، الفاعلين وكذا الذين لا حول لهم ولا قوة. وبعدها خلص بيلت وزملاؤه إلى أنه من أجل توحيد ثلاث مناطق وأكثر من مائة قبيلة، فإن الملكية الدستورية هي الأنسب. يمكن للملك أن يو ّحد ويتوسط بين القبائل، في حين أن قصة السنوسية – التي قادت مقاومة ليبيا ضد الاستعمار ولم يكن لها انتماء قبلي – قدمت لليبيا أساساً قوياً للهوية الوطنية. لقد أيّد الليبيون هذه الفكرة، وفي عام 1951، تأسست المملكة الليبية المتحدة .
كانت ليبيا طيلة 18 عا ًما دولة ديمقراطية برلمانية نامية. لقد كان لديها حق الاقتراع العام والقضاء المستقل والانتخابات الدورية وحرية المعتقد والصحافة. وكان بإمكان المرأة أن تصوت في ليبيا قبل أن تتمكن من التصويت في إسبانيا أو سويسرا أو البرتغال. لقد سمح النظام الملكي بحدوث ذلك، وكان بمثابة الغراء موحداً للأمة المنقسمة والقبلية. وفي عام 1969 – قبل يومين من أن يصبح والدي مل ًكا – وبسبب موجة القومية العربية والحرب الباردة التي اجتاحت البلاد تمت الإطاحة بالديمقراطية الوليدة في ليبيا من خلال انقلاب عسكري. ومنذ فقدان هذه الحريات، لم يتمتع بها الليبيون منذ ذلك الحين.
ينظر المزيد من الليبيين اليوم إلى الماضي باعتباره مصدراً للأمل والإلهام. فهناك حركة متنامية في جميع أنحاء ليبيا تدعو إلى استعادة دستور ليبيا السابق لعام 1969 كطريقة لاستئناف الرحلة الديمقراطية لليبيا. على مدى السنوات الـ 11 الماضية، لم يفكر العالم في هذا الخيار، بل اختار الوسطاء المسؤولون عن ليبيا مبادرات قائمة على التخمين والتفكير بالتمني. وكانت النتيجة مجرد جمود أدى إلى إثراء وتمكين الجهات الفاعلة، المحلية والأجنبية، غير المبالية بمعاناة الليبيين العاديين. وبالرغم من ذلك، قد تُسمع أصواتهم مع استنفاذ البدائل تدريجياً.
في الأشهر الأخيرة، عبّر الليبيون عن رأيهم – من خلال لقاءات في مدن ليبية عديدة ، وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم مئات الآلاف من المتابعين – للدفاع عن فكرة بسيطة ومقنعة: أن استعادة “دستور الاستقلال” هو المسار الوحيد القابل للتطبيق لاستعادة وحدة بلادنا وسلامها وشرعية مؤسساتها والشعور بالهوية الوطنية التي طمسها
الاقتتال الداخلي لفترة طويلة. وأنا أؤيدهم تأييدا تاما. وإذا قرر الليبيون، في النهاية، مرة أخرى أنهم يريدون ملكية
دستورية، فسيكون واجبي المقدس – تجاه أجدادي وعائلتي وأمتي – هو أن أخدمهم حتى آخر نفس. وأطلب فقط نيابة عنهم أن تُمنح لهم الفرصة لاتخاذ القرار.
بينما يتطلع الليبيون إلى الرجوع للتاريخ، أحث مسؤولي الأمم المتحدة على إعادة النظر في التاريخ. لقد ساعدت الأمم المتحدة الليبيين قبل سبعون عاما على تأسيس ديمقراطية خاصة بهم من خلال مراعاة الثقافة والمجتمع الليبي والحاجة إلى الشعور بالهوية. يمكنها أن تطبق الشيء نفسه مرة أخرى من خلال الاستماع إلى الليبيين ، ومن خلال وضع خيار استعادة دستور ليبيا – نتاج وساطة الأمم المتحدة الملهمة – على الطاولة حيث تنتمي. إنها فرصة تاريخية يجب استغلالها.
محمد السنوسي ولي العهد الليبي نشر بجريدة وول ستريت جورنال بتاريخ 16يونيو 2022 رابط المقال:
بيان حول ادعاءات مضللة
تناولت الملك إدريس السنوسي وحرمه
تابعنا باهتمام ما تناولته بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية من تقارير صحفية تناقلت قراراً رسميا مزعوماً من قبل السلطات المصرية بالتحفظ على ومصادرة مجوهرات ومسوغات ومشغولات مفترضة لملك المملكة الليبية وحرمه رحمهما الله، استيفاء لقرض مستحق لأحد البنوك في دولة مصر الشقيقة.
ونحن واذ نستغرب ونستنكر الخلط المتعمد الذي تمارسه العديد من الجهات الإعلامية حيال هذه القضية التي تخص نزاعاً قضائياً بين مواطن ليبي عادي مذكور في نص القرار، ليس له أي صفة رسمية في المملكة الليبية ولا في أي من مؤسساتها، وتحاول ربطه بشكل متعمد ببيت الملك الليبي الراحل ومؤسسة الحكم الشرعي الدستوري الذي لم يتركوا من ورائهم في هذه الدنيا إلا السيرة العطرة .
ولكننا ندرك أن ارتفاع وتيرة الحملات الإعلامية المضللة والتي تحاول بعثرة الأوراق وتستهدف تضليل شعبنا العزيز؛ في لحظات دقيقة تمر بها الأمة الليبية تتطلع خلالها إلى طريق الخلاص من ظلمات الفوضى والفساد ودهاليز الصراعات وشر الاقتتال والتناحر؛ ما هي إلا دليل على مدى الشراسة واليأس الذي وصل إليه من يحاول أن يسلب الشعب الليبي آخر ملجأ له من آتون الفاسدين والضالين.
إننا نؤكد للشعب الليبي العزيز، حرصنا الدائم٬ على النأي بالشرعية الدستورية الملكية عن الصراعات والمهاترات والمساومات، وأننا لن نسمح لأي من كان، النيل من هذا الاستحقاق الذي هو ملك للأمة الليبية ، تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً.
مكتب ولي العهد الليبي
19/05/2022
دستور جديد (قديم) لليبيا؟
قدم الدستور الليبي عام 1951 حريات سياسية واجتماعية واسعة للشعب الليبي قد تشبه أجزاء منه دستور أوروبا الغربية، اذ تكفل المادة 11 سيادة القانون، والمادتان 22 و23 حريتا الضمير والصحافة. وكان النظام البرلماني قائمًا على حق الاقتراع العام للبالغين، في وقت لم تسمح فيه سويسرا – تلك المنارة الليبرالية في قلب أوروبا – للنساء بالتصويت في الانتخابات الفيدرالية.
لاحقاً، استبدَلَ العقيد القذافي الدستورَ بالكتابِ الأخضر المكون من اثنان وثمانون صفحة ونُشر أولُ مجلدٍ منه عام 1975. لم يضمن الكتاب أي من حقوق الانسان كما ادعى القذافي، بل كان بمثابة كتاب لعبادة شخصيته ويضر بالحقوق والحريات في ليبيا.
وأعلن إيفو موراليس بصراحة حماسه ل ” الفكر” الذي يحمله الكتاب. وكان الطلاب يخضعون لساعات لا تحصى من المحاضرات حول نظرياته.
ومن غير المستغرب أن يكون أحد أوائل المباني التي تعرضت للهجوم في بنغازي في فبراير/شباط عام 2011 عندما بدأت الثورة ضد القذافي هو “مركز قراءة ودراسة الكتاب الأخضر “، اذ بُعثرت آنذاك نسخٌ منه في الشوارع. بعد ذلك بثمانية أشهر فقط، كان الليبيون يصطفون في طوابير لرؤية جثة القذافي.
عقد من النزاع
منذ ذلك الحين، تمزقت ليبيا بسبب الصراع الداخلي، وهو أمر ليس من المستغرب في مجتمع منقسم إلى 140 قبيلة رئيسية وعدد كبير من القبائل الفرعية.
وقد حكم البلاد العديد مما أُطلق عليه مجازاً بحكومات “الوحدة” منذ عام 2011. ويبدو من المستحيل إصلاح الحكومتين الحاليتين وهما حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة أو ما أصبح يعرف باسم حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، ومجلس النواب أي البرلمان الشرقي في ليبيا. ولايزال الجنرال المنشق ذو الثمانية والسبعين عاما خليفة حفتر وما يسمى بالجيش الوطني الليبي التابع له يسيطرون على شرقيّ البلاد، حيث يتركز معظم مخزون ليبيا من النفط.
و لا يزال الوضع السياسي هشًا مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية في الرابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر). قبل ذلك الحين، سيتعين على حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي المنتهية ولايته والمكون من ثلاثة أعضاء أن يحلوا الحكومة سلميًا، وهو أمر صعب في بلد عسكري ومليء بالأسلحة كما هو حال ليبيا اليوم. ففي الشهر الماضي، اقتحم مسلحون فندقًا في طرابلس يستخدمه مجلس الرئاسة كمقر؛ في حين لم يصب أحد بأذى، فإن الحادث يدل على عدم استقرار الوضع هناك. والسياسة، كما الطبيعة، تمقت الفراغ.
تعد ليبيا اليوم واحدة من أكثر دول العالم فسادًا (تصنف بعد أكثر الدول فشلا، بما في ذلك اليمن وسوريا وفنزويلا)، كما تعد واحدة من أسوأ البلدان في التجارة (أكثر مخاوف ليبيا إلحاحًا)، ومما لا يثير الدهشة، أنها واحدة من أقل البلدان حرية، وتحتل مرتبة أسوأ من اليمن في مؤشر فريدوم هاوس الأخير. كما احتلت مكانا عاليا منذ عام 2011 في مؤشر الدول الهشة.
من الواضح أن ما تحتاجه ليبيا – والليبيون – هو شيء أو شخص – زعيم، أو حكومة، أو شيء ما – يمكنهم الالتفاف حوله.
التحالف الدستوري
ما يحتاجه الليبيون حقاً هو دستور عام 1951. فبينما تظاهر القذافي بأن ليبيا دولة عربية إسلامية متجانسة، متجاهلاً الاختلافات العرقية واللغوية والدينية المهمة الأخرى، حظي دستور عام 1951 ونظام الحكم الذي نص عليه – وهو نظام ملكي وراثي مع نظام حكم تمثيلي – بتأييد واسع النطاق امتد لوقتنا الحالي.
ينص دستور عام 1951 على أن التكنوقراطية هي شكل خبيث من أشكال الحكم في كثير من الأحيان، ومع ذلك فهي بالتأكيد لها مكانها، لا سيما في أوقات الأزمات. فعلى سبيل المثال، كان تعيين ماريو دراجي رئيسًا للوزراء الإيطالي في فبراير قراراً حاسمًا في استقرار النظام السياسي الذي أوشك على الانهيار.
يشكل دعم شريحة واسعة من الليبيين لاستعادة دستور عام 1951 والنظام الملكي دليلا على ما سبق. ومن المشجع في الأمر أن أولئك الذين يقومون بحملات من أجل “عودة الشرعية الدستورية” كانوا حركات شعبية حقيقية. كما يتقبل زعماء القبائل والسياسيون أيضًا فكرة إعادة تأسيس ملكية دستورية.
دعا محمد عبد العزيز، وزير الخارجية في الفترة من العام 2013 إلى 2014، إلى حكم ملكي رمزي – كما هو الحال في بلجيكا وبريطانيا وإسبانيا – متعهداً “بالأخذ على عاتقه” الضغط من أجل عودة النظام الملكي. كان عبد العزيز محقًا في القول بأن عودة النظام الملكي هي أفضل حل لاستعادة الأمن والاستقرار في بلاده بعيدًا عمما ادعى البعض بأنه خيارٌ سياسيٌ غير قابلٍ للتطبيق.
كان النظام الملكي بمثابة رمز للوحدة، مدعومًا بشعبية الملك إدريس وعائلة السنوسي و من الممكن أن يتحقق ذلك مرة أخرى. اذ صرح ويليام إتش لويس ، المتخصص في شؤون المنطقة ، بأن الأولوية السياسية لـ “إدريس” كانت حتمية بسبب قبوله بين معظم الفصائل السياسية الليبية والجماعات المتنافسة كمرشح وسط ، ولكونه شخصية سياسية دون أي أجندة خاصة به.
توفي إدريس عام 1983، و توفي ابن أخيه وولي العهد ، حسن السنوسي ، بنوبة قلبية في لندن عن عمر يناهز 65 عامًا بعدها بتسع سنوات.
وقبل وفاته، عيّن حسن محمد، نجله الثاني، رئيسا للبيت الملكي في ليبيا. ويعدّ الملكيون الليبيون محمد الوريث الشرعي. وفي عام 2011، أعرب حسن أمام البرلمان الأوروبي عن تفضيله استعادة دستور عام 1951، وأنه سيكون الخيار الأفضل لليبيا.
ولكون محمد في المنفى منذ عام 1988 لن يكون له هو أيضا، أجندة خاصة، ولا يمكن قول الشيء نفسه عن كثيرين في ليبيا، وسيرفض محمد صراع السياسيين الفاسدين والمسببين للانقسام، ليشكل نقطة محورية للوحدة الوطنية التي من شأنها أن تتجاوز القبلية والقضايا الدينية. وستشجع عودته الليبيين مرة أخرى على التفكير في أنفسهم على أنهم ليبيون قبل أن يفكروا في نسب أنفسهم إلى مجموعة قبلية معينة، كما حثّت صحيفة “شمال أفريقيا بوست” الأمم المتحدة على أن “تُمنح ليبيا فرصة لملكية دستورية”.
يمثل النظام الملكي الدعامة الأساسية التي ستمنع ليبيا من الانهيار، يتوجب على المرء أحياناً أن ينظر إلى الماضي بحثًا عن الطريق الصحيح للمضي قدمًا.
عن الكاتب: شلومو رويتر جيسنر هو الرئيس والمؤسس المشارك لمنتدى كامبريدج للشرق الأوسط وشمال افريقيا (www.cmenaf.org). قبل تأسيس المنتدى شغل شلومو منصب ملازم في قسم التخطيط الإستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية والسياسة من جامعة كامبريدج وماجستير في الاقتصاد والمخاطر العالمية من جامعة جونز هوبكنز. كما يشغل شلومو منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة F & R الإستراتيجية(www.frstrategy.co.uk) والتي تتخذ من لندن مقراً لها، وهي شركة استشارية جيوسياسية تعمل بالسياسة والتجارة.
العامل الموحِّد الذي كان (ولا يزال يمكن أن يكون) ملكية دستورية
باتريك كوراث
إنّ بناء حل ديمقراطي مُستحق وفعال لليبيين ليس بالمهمة اليسيرة، فقد أثقلت الأحداث التاريخية الأخيرة كاهل الدولة. فعلى مدار عقد من الزمان ، حارب خلاله الشعب الليبي نظاماً استبدادياً وتمكن من التغلب عليه بنجاح، ولكنه تورط في حرب أهلية وحشية، وتحمل تبعات ما تحول فيما بعد إلى حرب بالوكالة بين عدد كبير من القوى الأجنبية التي تسعى إلى تعزيز مصالحها الشخصية على حساب مصالح الشعب الليبي.
من الصعب دائمًا إدارة فترات ما بعد الاستبداد والصراع والتدخل الخارجي، ناهيك عن تعرض بلد ما لهذه الفترات في آن واحد. تعزز هذه الترِكات الميل إلى عدم الثقة والشقاق، مما ينذر بحدوث انتكاساتٍ مفاجئة إلى حالة عدم الاستقرار، وذلك على الرغم من رغبة هذه الشعوب تفادي هذه المآزق أثناء عملية وضع الدستور وبناء الدولة. لذلك يجب ضمان استمرارية الدولة الليبية الديمقراطية بمساعدة المؤسسات التي عملت تاريخياً على توحيد الشعب الليبي.
في فترة ما قبل القذافي كان الليبيون متحدين بالفعل بموجب دستور عام 1951 على الرغم من أن الكثير من مواطني اليوم لا يتذكرون هذه الفترة الزمنية. من خلال الجمع بين الممارسات الديمقراطية الرئيسية والتي تضمن مصالح جميع أطياف الشعب المتنوعة من المواطنين في ليبيا، قدمت المَلكية الدستورية إجابة قوية للعديد من التحديات التي نشهدها اليوم.
لم ينقسم الليبيون مع مرور الوقت، بل انقسموا بسبب الرجل الذي وجّه الأمة الليبية لتحقيق مصالحه الأنانية وزرع الفتنة بين أولئك الذين اعتبرهم أعداء لبعضهم البعض. لقد حان الوقت لتجاوز هذه الانقسامات السطحية وبناء مستقبل لليبيا كدولة موحدة.
النظام الملكي الدستوري يساوي الوحدة والاستقرار
على الرغم من اختلاف وتنوع معتقداتهم الأيديولوجية ومدى قوتهم، فإن الملوك يجلبون الاستقرار إلى نظام الحكم. في ليبيا الديمقراطية، من المؤكد أن الملك سيلتزم بدعم سيادة القانون ومصالح المواطنين دون أي شكل من أشكال الانفراد في سن القوانين واداء الواجبات التنفيذية للحكم – تمامًا كتلك الطريقة التي يعمل بها الملوك في الممالك المزدهرة في السويد وهولندا وبريطانيا العظمى واليابان. كما يمكن النظر إلى الدور الذي تلعبه المَلكيات الدستورية خارج الديمقراطيات الغربية المستقرة، فالمملكة الأردنية وتايلاند هما دليلان آخران على الدور الإيجابي الذي تلعبه الملكيات الدستورية في المجتمعات المنقسمة.
تكمن القوة الحقيقية للملك في العمل كمصدر للوحدة والاستمرارية في أي بلد ديمقراطي. إن ليبيا بحاجة ماسة إلى شخصية قيادية رمزية نظراً لما يتضمنه تاريخها الحديث من تشرذم وانقسامات مستمرة والتي بالتالي تسبب اختراقا لنسيج المجتمع.
نظرًا لأن هيئة صياغة الدستور قررت إرجاء العديد من المسائل السياسية الحساسة وتركها للهيئات التشريعية المستقبلية لحلها، فمن المتوقع أن تَظهر مناقشات بارزة للغاية ومثيرة للانقسام. عند مواجهة الجمود السياسي الذي يبدو غير قابل للحل، فإن وجود الملك يضمن اذا تم اللجوء أو الاضطرار إلى حل الحكومة أن لا يؤدي هذا بالتالي إلى تفكك الدولة ككل.
يؤمِّن فصل الملك عن السياسات الحزبية ضمان هوية الليبيين كشعب واحد بغض النظرعن الإدارات السياسية المختلفة والاختلافات والاشتراطات البرلمانية، وبالتالي تعزيزها مع مرور الوقت. سيتطلب الشعور بالهوية الوطنية الموحدة وقتًا وجهدًا للانتشار في ليبيا اذ أنها بلد مقسم حسب المصالح الاقتصادية المختلفة للمناطق الأساسية في البلاد بالإضافة إلى الاعتبارات السياسية المحلية للقبائل المختلفة.
الاجتماع تحت علم واحد، بدوره، أمر مهم لتعزيز النظام الديمقراطي الجديد. غالبًا ما يستغرق الأمر سنوات إن لم يكن عقودًا حتى تصبح المشاركة الديمقراطية للمواطنين في الانتخابات والسعي إلى التوافق بين المسؤولين المنتخبين هو المعيار المُتَّبَع على نطاق واسع لتسوية الخلافات وتحقيق التقدم المنشود.
على الرغم من استثنائه من القضايا الحزبية، يلعب الملك دورًا حاسمًا في نشر الأفكار ذات الطبيعة السياسية الأساسية مثل أفكار السلام عبر التسويات والاستقرار للجميع والثقة في نظام الحكم.
تمثيل المصالح وحماية الحقوق
ليس بالامكان التعامل مع كل رغبات وتطلعات الفئات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الليبي على نحو ملائم خلال حقبة سياسية واحدة. في مثل هذه الحالات، يتمتع الملك الدستوري بالقدرة على التدخل وحث المشرعين علنًا على مراعاة مخاوف ومصالح الجماعات المهمشة مع طمأنة جميع الأطراف بأن مسائلهم يتم الالتفات إليها بالفعل على أعلى مستويات الحكومة.
على الجانب الآخر، عن طريق التحكيم، يمكن للملك الدستوري أن يمنع الأنظمة الديمقراطية الجديدة من التراجع وخلق ما يعرفه أليكسيس دي توكفيل بأنه “طغيان الأغلبية” الذي يتجاهل مجموعات وأقليات معينة. يمكن للملوك الدستوريين تطبيق نفس القوة الموازنة للحكومات أو القادة التنفيذيين الفرديين الذين قد يدوسون على الحقوق الإنسانية والسياسية للأفراد، أو يحاولون إضعاف الترتيبات الدستورية التي تضمنها.
تسهيل التنمية
في مجتمعات ما بعد الصراع، تعتبر التنمية الاقتصادية حتمية مثل تنمية الهياكل السياسية. إن اتباع نهج دستوري بقيادة ملك سيكون جزءًا لا يتجزأ من هذا الصدد، كما يلزم أيضاً إعطاء الأولوية لحماية القوانين الأساسية اللازمة لتحسين مكانة ليبيا الدولية.
تتأثر معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) على الفور بالأحداث الجارية في المنطقة. وقد شوهد هذا في أكثر لحظات الاستقرار المؤقتة والتي شجعت مثل هذه الاستثمارات في الاقتصاد الليبي على مدى السنوات العشر الماضية.
ما يبدو أنه خط فكري اقتصادي بحت يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالديمقراطية. إن الاستقرار طويل الأمد للدولة الذي لا يمكن إلا لملك دستوري أن ييسره هو عنصر أساسي في استعادة الشرعية الليبية، مما يحفز زيادة حجم الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها باستمرار في اقتصاد البلاد الخارجي. التنمية الاقتصادية العامة والزيادة الملحوظة في مستويات المعيشة على مستوى الفرد المواطن هي حجر الزاوية لبناء الثقة في نظام الحكم وضمان مستقبل سلمي للجميع.
إن الجمع بين الإجراءات الديمقراطية ونظام الملكية الدستورية سيصون بالضرورة الاستقرار، ويحمي الحريات الفردية والجماعية، ويسهل التنمية الاقتصادية على نطاق واسع. ومع ذلك، يمكن لمثل هذه الصيغة أن تتجذر فقط في البلدان التي لديها بعض تقاليد الملكية والسلالة الحاكمة الشرعية. لحسن الحظ، ليبيا لديها كلا الأمرين. في النموذج الذي وضعه دستور عام 1951 – والذي أطاح به العقيد القذافي – وعائلة السنوسي المنفية، تتمتع ليبيا بموقع فريد مع خيار قابل للتطبيق قادر على إعادة تأسيس البلاد كقائد إقليمي مستقر ومزدهر.
إذا كان العقد الماضي من الفوضى في ليبيا قد علمنا أي شيء، فهو أن الحلول الإبداعية التي فرضتها الكيانات الأجنبية ببساطة لا تنجح. وقد تم التأكيد على ذلك من خلال عقد من الإخفاقات في الشرق الأوسط، وأبرزها في العراق وأفغانستان. ليبيا، على عكس العديد من البلدان الأخرى في المنطقة، لديها نموذج ضَمِنَ في الماضي الاستقرار المحلي وسهّل الازدهار الاقتصادي.
مع عقد الانتخابات العامة المقبلة في ديسمبر القادم، آن أوان اتباع نهجٍ تاريخيٍ مجرب سابقاً وإعادة فتح النقاش حول فوائد الملكية الدستورية التي تمثل بالضرورة وصفة لمستقبل ديمقراطي أكثر نجاحًا لليبيا.
تداعيات غياب الهوية الوطنية في ليبيا
الامين اشتيوي أبوالمغاير
عندما استعادت طالبان أفغانستان، أشار الرئيس الروسي بوتين للأحداث التي وقعت هناك كدليل على عدم حكمة السياسة الغربية. و في تفسيره، كان ذلك دليلا على أن الوقت قد حان لأن ينهي الغرب “السياسة غير المسؤولة لفرض القيم الأجنبية”. وانتقد الرغبة غير المثمرة في “بناء الديمقراطية في بلدان أخرى وفقا للقوالب الأجنبية، وتجاهل التقاليد التي تعيش عليها الدول الأخرى بشكل تام”.
رغم إشارة بوتين لمثل هذه المفاهيم في كثير من الأحيان تبريرا للحكم الاستبدادي الذي يفرضه في روسيا و كذا حلفائه في جميع أنحاء العالم، إلا أنه لايزال هناك ما يمكن قوله في حق هذا الحذر من جانب الغرب عندما يتعلق الأمر بدولة أخرى و التي تجد نفسها في خطر كبير وهي ليبيا.
أعلنت الأمم المتحدة في أواخر العام الماضي أن الانتخابات الوطنية ستجرى في ليبيا بتاريخ 24 ديسمبر 2021 بعد محادثات في تونس. و في 8 سبتمبر، صادق مجلس النواب على قانون يقضي بإجراء انتخابات رئاسية مباشرة، وبعد ذلك بوقت قصير أيدت القوى الغربية دعوة الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
دعا يان كوبيش، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مؤخرا إلى إجراء انتخابات “شاملة وذات مصداقية قدر الإمكان في ظل الظروف والتناقضات الشاقة والصعبة”. وحذر من أن عدم إجراء الانتخابات قد يعمق الانقسامات ويؤجج الصراع. إلا أن الانتخابات غير الكاملة أو أي انتخابات قد تمر في وضع مثل الوضع الحالي في ليبيا، كما يؤيد كوبيش، من المرجح أن تؤدي إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي بدلاً من مساعدة ليبيا في طريقها نحو المضي قدما.
و بما أنه من المفترض أن يستقيل المرشحون الرئاسيون قبل ثلاثة أشهر من يوم الانتخابات، بدلا من الاحتفال بيوم الاستقلال الليبي بانتخابات ستشهد فيها البلاد ظاهريا نوعا من التقدم، فمن المرجح بشدة أن إجراء الانتخابات في أقرب وقت سيعمق الأزمة الحالية في ليبيا.
لقد حذرت ويسبرين بيل، وهي شركة استشارية لإدارة المخاطر، مؤخرا من أن معارضة الانتخابات في الأجزاء الغربية من ليبيا قد تؤدي إلى “هجمات مباشرة على المكونات المتعلقة بالانتخابات”، بما في ذلك تلك الخاصة بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات وحتى المرشحين المحتملين. و قد كان القتال في طرابلس في وقت سابق من هذا الشهر هو الأسوأ منذ عام.
يتطلب إجراء الانتخابات قدر معين من تماسك الدولة، والانتخابات التي يعتبرها الشعب شرعية. تفتقر ليبيا، في الوقت الحاضر، بشدة لتماسك الدولة بشكل كافٍ. و قد أترث قضايا مماثلة على الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 2018 قبل تعليقها بسبب اندلاع أعمال العنف. و بعد ذلك أشار معهد الدراسات السياسية الدولية إلى أنه “دون الأشخاص الذين يطلق عليهم رسميا اسم الليبيين، فنحن بعيدون جدا عن الانتخابات التي تحتل المرتبة الأولى في أذهانهم”. و ينطبق نفس الشيء على الوضع الحالي اليوم.
وذكر معهد الدراسات السياسية الدولية أيضا أن الشعور بالهوية الليبية، أو غيابها، هو الذي سيحدد مصير ليبيا على المدى القريب. لذلك يجب أن تحظى هذه النقطة بكل التركيز في البلاد. و في الوقت الحالي، نظرا للافتقار الملحوظ للهوية الوطنية، فإن الانتخابات، كما ذكر أعلاه، من المرجح أن تضر بالبلد أكثر من مساعدته. و كما كتب إيغور تشيرستيتش، الخبير في شؤون ليبيا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، في سنة 2011، “يجب على أي قوة تحاول الاستيلاء على حكم البلاد أن تظهر شرعيتها الوطنية”. و يعتبر ذلك في الوقت الراهن احتمالا بعيد المنال.
يبقى الأمر الحاسم على المدى الطويل، كوقف العنف، هو العمل على خلق هوية وطنية شاملة في ليبيا. و في الواقع، من المرجح أن يكون لتحقيق هذه الأخيرة تأثير إيجابي على البلد وهي شرط أساسي من أجل انتخابات ناجحة.
كما هو الحال منذ فترة طويلة في ليبيا، يستمد الأفراد هوياتهم من عوامل قبلية أو عائلية أو إقليمية، مما يقوض أي إحساس متماسك بالهوية الوطنية. و يمكن إرجاع سبب هذه الانقسامات إلى سياسات الاستعمار الإيطالي في البلاد، والتي أدت إلى تقسيم الليبيين. و ربما لا عجب من مجتمع مقسم إلى 140 قبيلة رئيسية وعدد كبير من القبائل الفرعية. حتى أن توماس فريدمان ادعى أن ليبيا ليست “دولة حقيقية”، بل مجرد مجموعة من “القبائل التي ترفع أعلامها”. وكما توقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تزايد الجماعات السياسية الداعية للانقسام والميليشيات في العقد الأخير منذ الإطاحة بالقذافي قد قوض إعادة تأسيس هوية وطنية شاملة.
بدلاً من الاحتفال بيوم الاستقلال بمثل هذه الانتخابات التي يحتمل أن تكون لها آثار سلبية، ينبغي على الليبيين أن يعيدوا التفكير في الرجل الذي تولى العرش في ذلك اليوم من عام 1951: الملك إدريس. إن إعادة فرض حكم عشيرة السنوسي التي تأسست بموجب دستور عام 1951 ستشهد استعادة ليبيا للدولة الموحدة التي كانت قائمة من قبل، مما يعكس ترسيخ الهوية الوطنية الليبية الموحدة. إن أهمية تلك الحركة، التي توقفت لمدة 40 عاما بسبب استبداد القذافي، على الرغم من اقتصارها تاريخيا على شرق البلاد، أصبحت أكثر وضوحا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وقد تبنى البعض ذلك بالفعل، بما في ذلك حركات شعبية حقيقية من أجل استعادة النظام الذي وضعه دستور عام 1951. ومع ذلك، فإن موقفهم يتطلب اعتبارات أكبر، وأكثر جدية بكثير. بدلاً من التركيز على الجهود الدولية التي لم تصل لأي شيء حتى الآن و التي أدت فقط لتقسيم البلاد أكثر من توحده. يجب على المهتمين بمستقبل ليبيا أن يتطلعوا إلى حركات تتوق لخلق الأساس لما هو مفقود للغاية في ليبيا اليوم، و هو ما يتمثل في هوية وطنية متماسكة.
ميتشل رايدنج هو محلل في CRI Ltd، وهي شركة متخصصة في الخدمات الاستشارية يقع مقرها بلندن، وهو أيضا باحث في ويكيستارت. عمل ميتشل سابقا في مكتب أوروبا وأوراسيا في AKE، حيث قام أيضا بتغطية مناطق ما بأفغانستان. و عمل مع مجموعة أكسفورد للأعمال، حيث ساهم في تقارير حول مجموعة واسعة من الأسواق الناشئة والحدودية.
المرأة الليبيه ..تاريخ وتطلعات…
امينة خير الله الحاسية
في كل الثورات و كل الحروب التي عرفتها البشرية تبرز الأحداث أدوار الكثير من الرجال و القليل من النساء، فيذهب الرجال ببريق الأحداث من انتصار و مجد و أوسمة و تخليد في التاريخ و تحصد النساء آثار الحرب و همومها لأجيال عدة.
تفقد المرأة زوجها أو أخيها أو أبيها و قد تفقد فلذة كبدها من شاب أو طفل رضيع و قد ينتهي بها الحال في الملاجئ تائهة في الدول المجاورة أو حتى تتوه داخل بلدها أو قد ينتهك عرضها،، ،
وبمرور الأحداث ومرور الزمن تبقى الأم هي الذاكرة التي تذكر أبنائها و أحفادها بما حدث في تلكم الحرب أو الثورة أو الأحداث الدامية. و يبدو لي أن القتال دوما جرم يضطلع به الرجال إلا أن النساء يدفعن معظم جريرته على المدى الطويل. لنعرج هنا على ماتعرضت له النساء الليبيات منذ الأزل.
لنمر بمعتقلات الطليان وما عانته المرأة وماعانته إبان انقلاب سبتمبر من ظلم وإقصاء برغم ماقدمه النظام الدكتاتورى من تزييف وتطبيل وخداع من أجل تحرر المرأة الليبية.واستخدمها النظام السابق دعايه رخيصة . إلا انها واصلت وثابرت واجتهدت فى تلقي العلم لتتصدر قوائم المتفوقين والناجحين …وصولا الى ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة وجميعنا رأى مساهمتها الفاعلة فى الساحات والميادين وكيف كان لها الدور العظيم والمساهمة الخلاقة في بناء الدولة وتأسيس الجمعيات والاعمال التطوعية ومشاركتها السياسية كناخبة ومرشحة ولم يكن لها أي دور فى صراعات الطامعين والمخربين لبناء دولة المؤسسات خلال السنين القريبه الماضيه بل آثرت النضال وطلب السلام والدولة المنشودة فطالت يد الغدر مسيرتها فكانت سلوى بوقعيقص وفريحة البركاوى شهيدات واجب ورمز للتضحيات..
ومازالت المرأة الليبية تبذل كل غال ونفيس فى سبيل الوطن ومن اجل مستقبل زاهر.
واكبت تلك المعاناة.سلسلة طويلة من النضالات السياسية وإجتماعية وإقتصادية والثقافيه لرائدات ليبيات منذ الشروع في بناء الدولة الوطنية الليبية.وبعد الاستقلال حيث أنشأ الملك الصالح إدريس السنوسى رحمه الله ليبيا موحدة دشنها بوثيقة دستورية تحفظ الحقوق وتصون الحريات. برز وقتها رائدات للوطن فى البناء ونشر الوعى والعلم والمعرفة التى كان جلالته حريصا على نشرها والارتقاء بها فولى كثيرا من الاهتمام لتلك النشاطات النسوية ،،، مثال لاو لئك الرائدات (السيدة خديجة الجهمى وحميدة العنيزى )وكثيرات …
لا يسعنى ذكر اسمائهن الآن ..ايضا مؤسسات نسوية جمعية النهضةالنسائية التى كانت اول جمعيةنسائية فى ليبياتاسست 1954 كالاتحاد النسائي الليبى والحركة الكشفيه للمرشدات …وغيرها وقد حرصت المملكه الليبية على سن كثير من الضمانات الدستورية والقانونية بالدستور الليبى المعد 51 وتعديلاته.وايضا رزمة من القوانين التى وضعاتها تلك الحكومات المتتاليه فى عهد الملكية حرصت على المساوة والمواطنه وتكافؤ الفرص والحقوق السياسية على تقليد المناصب القيادية فى الدولة للمراة الليبية ..أهمها المادة 11..من الدستور الملكى الدى أقر عدد من الحقوق والمساواة وتكافؤ الفرص والمسؤولية المتساويه فى المهام والحقوق والواجبات دون تمييز..
كما انه اعطى للمواطنة الليبيه حق المواطنه بالمادة 8 بالدستور الليبى
من هذا المنطلق نوجه النداء لكل الليبيات بالمطالبة ب:
1- بالعودة للشرعية الدستورية وفق آخر ما إنتهت اليه فى نهايه اغسطس 1969وتفعيل دستور المملكة الليبيه الذى حاز شرعيته بتوافق ألأباء المؤسسين واعتراف الامم المتحدة واشرافها
. 2-دعوة سيادة الأمير محمد الحسن الرضا المهدى السنوسى للعودة للبلاد ومباشرة مسؤولياته وسلطاته الدستورية طبقا لنصوص الدستور الليبي والذى سيواصل بها أداء رسالة المؤسسين الأجلاء لبلادنا الغاليه .وما رأيناه من سموه ولمسناه فى كل خطاباته التى وجهها للشعب الليبى فى مناسبات عدة آخرها رده على مؤتمر غريان التاريخى المنعقد الشهر الماضى فى غريان (من خلال رسالته فى خطاب وجهه للشعب الليبى وذكر الليبيات الاخوات والمواطنات فى عدة مرات)
..افلا يدل ذلك إلا على ادراكه وعلمه بما تعانيه المرأ ة الليبيه من ظلم وقهر وتهجير وألم ؟
3-دعوة الأمم المتحدة للقيام بدورها وواجبها القانونى.لمساعدة الليبيين للعودة للشرعية الدستورية واستئناف الحياة الدستورية ..فلقد سئم شعبنا هذا النفق المظلم الذى جرنا الى هلاك مقدراتنا الطبيعية والبشرية والاقتصادية ،ونزيف الدم الهادر نتاج صراعات المصالح وصراع السلطة.
(عاشت ليبيا ..وعاش شعبها الكريم)
أمينة الحاسية
مينة خيرالله الحاسية
مواليد1966 مواليد مدينة البيضاء
المهنة.مهندس خبير بمجال تكنولوجيا الاغذية
مكان العمل .. مركز بحوث ودرسات جامعة عمر المختار
مجالات اخرى
مهتمة بالشأن العام الليبى
-متحدث ومؤسس لمبادرة سيدات ليبيا لانقاذ الوطن
-رئيس مجلس ادارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة والشباب
_عضو مؤسس لمجلس أعيان وخبراء وشيوخ مدينة البيضاء أبان ثورة17فبراير
-عضو مؤسس حراك العودة الملكية فى ليبيا .
معضلة المرتزقة والحل الدستوري الليبي
مصطفى الصاقلي
مدير البرنامج الليبي لـإعادة الإدماج والتنمية (LPRD)
وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك ما مقداره عشرون ألف مرتزقة أجانب في ليبيا، ناهيك عن أولئك الذين ينتمون إلى جماعات مسلحة محلية المنشأ. وهذا عدد كبير في بلد يقل عدد سكانه عن سبعة ملايين نسمة.
لقد كان استخدام المرتزقة واسع النطاق لدرجة أن الدكتورة علياء الإبراهيمي، الخبيرة في المنطقة، أعربت عن قلقها من أنه بدون استجابة كافية من المجتمع الدولي ” ستتغير القاعدة فيما يتعلق بمكافحة المرتزقة وسيعاد تدريجيا تطبيق ممارسات القرن التاسع عشر” -أي عندما لم يكن استخدام المرتزقة عمل مرفوضٌ بشدة. ونادراً ما يشكل المرتزقة الأجانب قوة بناءة – لاحظ على سبيل المثال أنشطة المنتسبين إلى شركة بلاك ووتر في العراق.
ليس من المستغرب أن يكون للمرتزقة وقعٌ سيء للغاية في ليبيا أيضًا. اذ صرح جان كوبيش، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا منذ يناير/كانون الثاني، بأن المقاتلين والمرتزقة الأجانب يعززون الانقسام الحالي في ليبيا. لقد كان كوبيش محقًا ان لم يكن قد قلل من خطورة الوضع أيضاً.
يتركز التأثير الضار لمجموعات المرتزقة الأجنبية على جانبين متصلين. أولاً، إنها تقوض إمكانية قيام عملية يقودها الليبيون فيما يتعلق بمستقبل البلاد. يرجع هذا إلى حد كبير إلى حقيقة أن المرتزقة تعطي الأولوية للمصالح الأجنبية – سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو استراتيجية – والتي غالبًا ما تكون شائنة على حساب الليبيين العاديين. دائمًا ما يكون نشر مجموعات المرتزقة أمرًا سيئًا بالنسبة لتقدم الدولة التي تم نشرهم فيها ودولة العراق أكبر دليل على ذلك.
عام 2011 وما بعده
التدخل الأجنبي ليس بأي حال من الأحوال ظاهرة جديدة في ليبيا. ففي أعقاب الإطاحة بالقذافي، تم مساعدة المتمردين من قبل حلف شمال الأطلسي، وقطر، وفرنسا، ودعم الإمارات العربية المتحدة لـ “المجلس الوطني الانتقالي”. دامت الحكومة الفعلية لمدة عشرة أشهر بين عامي 2011 و2012؛ واعترفت قطر بأنها أرسلت المئات من القوات، الذين قدموا التدريب والدعم في مجال الاتصالات، لدعم المتمردين. وبدلاً من ” ضمان مستقبل أفضل لشعب ليبيا” كما زعم أوباما وكاميرون وساركوزي في عام 2011 ، لم يعمل التدخل الأجنبي إلا في دفع شعب ليبيا على تمزيق بلاده. وما دام وجودهم مستمراً، فإن فرص ليبيا في التقدم نحو السلام تقترب من الصفر.
منذ الإطاحة بالقذافي، اهتمت موسكو وأنقرة أيضًا بمعركة المستقبل – أو عدمه – في ليبيا، بالإضافة إلى قطر وفرنسا والإمارات ودول أخرى. تدعم روسيا خليفة حفتر المنشق البالغ من العمر 78 عامًا وما يسمى بالجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على شرق البلاد. من ناحية أخرى، لا تزال تركيا التي دعتها حكومة الوفاق الوطني لحماية طرابلس من هجوم حفتر العسكري تدعم حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، ومقرها طرابلس، شمال غرب العاصمة، والتي شكلها مجلس النواب في فبراير/شباط، وهو البرلمان الليبي المعترف به دوليا.
من بين 20,000 من المرتزقة الأجانب، هناك ما يقدر بـ 2,000 شخص من مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة ذات الصلة بيفغيني بريغوشين، وهو حليف بوتين الذي اتهمته الولايات المتحدة في قضية تتعلق بالمنتهزين الروس الذين سعوا للتأثير على انتخابات عام 2016. لا يزال يُزعم أن الإمارات العربية المتحدة تحول الأموال إلى فاغنر. ولفهم مدى شراسة مجموعة فاغنر والكيانات ذات الصلة، أفضل ما يمكن فعله هو مشاهدة الاتهامات الموجهة إلى المجموعة من قبل الأمم المتحدة فيما يتعلق بعملياتها في جمهورية أفريقيا الوسطى. إنها ليست محاولة موسكو أو أنقرة الأولى للدخول إلى المنطقة. اذ يتواجدون أيضا على الجانبين المتعارضين في سوريا القريبة، حيث يؤيد بوتن الأسد في حين يدعم أردوغان المعارضة لدكتاتور سوريا بشار الأسد ويوفر للملايين من اللاجئين السوريين الملاذ الآمن. هناك، ساعد دعم مجموعة فاغنر والقوات الروسية الأخرى الديكتاتور الدموي على الاحتفاظ بقبضته على السلطة على الرغم من الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات والتي خلفت ما يقرب من 5.6 مليون لاجئ خارج البلاد و400 ألف قتيل.
العائق أمام السلام
أكد “مؤتمر برلين الثاني” الذي عُقد في 23 حزيران / يونيو وجهة نظر الأمم المتحدة بضرورة مغادرة القوات العسكرية الأجنبية والمرتزقة، ووصفت روزماري دي كارلو، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، المرتزقة الأجانب بأنهم “بلاء لا على ليبيا فحسب، بل على المنطقة دون الإقليمية برمتها”. وكانت دي كارلو محقة أيضاً كزميلها كوبيش.
الآن، بعد ما يقرب من عقد من الزمان على وفاة القذافي، يشكل الآلاف من المرتزقة الأجانب عقبة رئيسية أمام أي فكرة عن المصالحة أو خطوات نحو السلام في ليبيا. كما تدعم هذه الجماعات مصالح القوى الأجنبية – والجهات الفاعلة والكيانات الخاصة – على حساب الشعب الليبي الذي طالت معاناته. يمكن تلخيص معاناة الشعب الليبي بعبارة بسيطة: إنهم يعيشون في واحدة من أكثر الدول فسادًا وأقلها حرية والأكثر هشاشة على وجه الأرض.
في سبيل المضي قدماً
في الوقت الحاضر، من المرجح للغاية أن يؤدي استمرار وجود المرتزقة الأجانب إلى تقويض التقدم المحرز نحو الانتخابات المقرر إجراؤها في كانون الأول/ديسمبر.
إن العملية الانتخابية التي يشوبها العنف لن تؤدي إلا إلى توسيع الحلقة المفرغة لعدم الاستقرار في ليبيا. من أجل تحسين الوضع الأمني في ليبيا، يتعين القيام بعمليتين متوازيتان أساسيتان: أولاً، إصلاح قطاع الأمن من خلال إعادة بناء جيش جديد يمثل الشعب الليبي ولا يتدخل في السياسة والسعي ثانياً لتحقيق عملية موحدة لتحقيق الاستقرار السياسي.
ان أفضل بديل لمجموعة المرتزقة الأجانب وغيرهم من الجماعات المسلحة العاملة حاليا في ليبيا هو الجيش الليبي الموحد والكفؤ، وهو المشتت حاليا بين قاعدتي السلطة في ليبيا. وفيما يتعلق بالأخير، أصبح من الأفضل الآن – بعد عقد من الاقتتال الداخلي والمؤامرات – أن يخدم مصالح شعب ليبيا فرد موحد يستطيع على الأقل أن يبدأ في تضميد الجراح الوطنية.
بعد مؤتمر برلين الثاني، أعربت دي كارلو عن استعداد الأمم المتحدة لدعم “تنفيذ عملية قائمة على المصالحة والعدالة الانتقالية بقيادة الليبيين ولأجلهم وتضمن حقوقهم “. ينبغي أن تكون العملية بأيدي الليبيين وبقيادتهم. اذ كان أوباما، وكاميرون، وساركوزي محقين في عام 2011 في التأكيد على أن “شعب ليبيا، وليس الأمم المتحدة، هم الذين يختارون دستورهم الجديد، وينتخبون قادتهم الجدد، ويكتبون الفصل التالي في تاريخهم”.
دستور جديد (قديم) لليبيا
عندما يتعلق الأمر باختيار الفصل التالي، فقد اختار العديد من الليبيين بالفعل طريقاً واعداً إلى الأمام تتمثل باستعادة دستور عام 1951، وتدعم هذه الخطوة حركات شعبية حقيقية مثل “عودة الشرعية الدستورية”. كما يتقبل زعماء القبائل والسياسيون فكرة إعادة إقامة ملكية دستورية. ينص الدستور على نظام برلماني يقوم على الاقتراع العام للبالغين ويضمن حريات اجتماعية وسياسية واسعة النطاق، ومن المؤسف أنه استُبدل بـ “الكتاب الأخضر” الذي أصدره القذافي.
من المبشر أيضا أن هناك أدلة على دعمٍ رمزيٍ لاستعادة دستور عام 1951 والنظام السياسي الذي قدمه – أي حكومة تمثيلية وتكنوقراطية مع عاهلٍ وراثي. إن العودة إلى الدستور الذي ألغاه القذافي في عام 1969 تمثل الأمل لغالبية الليبيين الذين يسعون إلى العودة إلى دولة مدنية بقيادة المدنيين. لقد شهدت ليبيا أسوأ سنواتها تحت قيادة قادة عسكريين أمثال العقيد القذافي والجنرال حفتر مؤخراً. من جهة أخرى، تمتع النظام الملكي بدعم واسع – وهو إنجاز كبير في بلد مقسم إلى 140 قبيلة رئيسية وعدد كبير من القبائل الفرعية. بعد فترة من هذا الانقسام المدمر، من شأن الشخصية الموحدة أن تخدم البلاد بشكل جيد. كان محمد عبد العزيز، وزير الخارجية من 2013 إلى 2014، محقًا في القول بأن عودة النظام الملكي هي الخيار الأفضل لاستعادة الاستقرار والأمن.
قبل انقلاب عام 1969 حكم الملك إدريس ليبيا وكانت شعبيته عنصرا حاسما في نجاح النظام. تضمنت القوات المسلحة، التي ترأسها إدريس رمزياً ، والتي تشكلت إلى حد كبير من فلول القوة العربية الليبية في حقبة الحرب العالمية الثانية (المعروفة أيضًا باسم جيش السنوسي) ، قطاعًا عريضًا من الليبيين ، وبالتالي شكلت نظاماً موحداً بذاتها، في تناقض صارخ مع الوضع اليوم.
عين ولي عهد إدريس حسن السنوسي نجله محمد رئيسًا للبيت الملكي الليبي قبل وفاته في لندن عام 1992. اليوم، يمكن لمحمد – المنفي منذ عام 1988 – أن يلعب نفس الدور الموحد الذي لعبه إدريس. إنه الشخص الأفضل والأكثر شرعية للقيام بذلك، اذ أعرب في عام 2011 عن رغبته باستعادة دستور عام 1951 في البرلمان الأوروبي. بعد أن كان في المنفى لأكثر من ثلاثة عقود، سيعود محمد إلى ليبيا سالماً من الشجار السياسي الذي اتسم بالفساد والقبلية وعدم الاستقرار.
إذا كانت الأمم المتحدة، كما ادعت دي كارلو، تريد حقاً دعم” تنفيذ عملية قائمة على المصالحة والعدالة الانتقالية بقيادة الليبيين ولأجلهم وتضمن حقوقهم “، يجب أن تضع ثقلها لاستعادة دستور 1951 وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا. وهذا هو أفضل طريق للمضي قدما بالنسبة لبلد مزقته الانقسامات المدمرة، الداخلية والخارجية على حد سواء.
إن العودة إلى الفترة التي كانت فيها ليبيا دولة دستورية مدنية قبل اختطاف الدولة من قبل ضباط الجيش يمكن أن ينقذ ليبيا من التدخل الأجنبي ويعيد الدولة الى مسارها الذي يقوده ويملكه الليبيون نحو الاستقرار والأمن والازدهار.
مصطفى الصغزلي هو مدير البرنامج الليبي لإعادة الدمج والتنمية (LPRD)يتمتع بأكثر من عشرين من الخبرة في تصميم استراتيجيات تسهل إزالة التطرف وإعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع. لقد رأى أكثر من 160.000 مقاتل سابق في ليبيا يتخرجون من برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR) وهو أحد أبرز الخبراء الليبيين في هذا المجال.
خطط الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال انتخابات ديمقراطية لوحدها معرضة للفشل
أشرف بودواره
استثمر الاتحاد الأوروبي منذ سنوات جهوده الدبلوماسية، بالإضافة إلى ضخ ملايين اليوروهات في سبيل الإحساس بالأمن في ليبيا. مما يحمي أوروبا ظاهريًا من مشكل تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط والاتجار غير المشروع بالمخدرات والآثار الشاملة لعدم الاستقرار التي خلفتها الحرب الأهلية الليبية. و مع اقتراب موعد انتخابات 24 ديسمبر، يعتمد الاتحاد الأوروبي وكذلك الدول الأعضاء المنفردة و التي قادت الجهود الفردية، على إرساء الشرعية الديمقراطية للدولة الليبية الجديدة من خلال أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد.
ورغم ذلك، فإن الفرصة السانحة لتحقيق الاستقرار المطلوب بشدة تتقلص بشكل مقلق. و مع عدم وجود تطور ملموس يتحقق من خلال مؤتمرات برلين التي ترعاها ألمانيا ومحادثات جنيف المدعومة من الأمم المتحدة والعديد من الاجتماعات متعددة الأطراف الأخرى التي عقدت تحت الإشراف الإيطالي، لا تزال ليبيا تفتقر إلى الأسس الدستورية اللازمة لتحقيق الاستقرار. و لا يزال عدد لا يحصى من المرتزقة المسلحين الأجانب يتمركزون داخل حدود البلاد. وتثير حكومة الوحدة الوطنية (GNU)، بقيادة عبد الحميد دبيبة والمبنية على نظام المحاصصة أو الانقسامات بين الفصائل و الانقسامات الإقليمية، المزيد من الأسباب المثيرة للقلق.
الانتخابات في حد ذاتها غير كافية لضمان أهداف على المدى البعيد بالنسبة للاتحاد الأوروبي، و كذا أهداف المواطنين الليبيين. و أن التحضير للانتخابات وإجرائها بطريقة منظمة، وربما الأهم من ذلك هو الحفاظ على مصداقية النتائج، هو ما يمثل أعظم اختبار لأكثر من عقد من الجهود الدولية.
و في حالة تأجيل الانتخابات أو فشل إجرائها تمامًا، فهناك خطر جدي يتمثل في عودة ليبيا إلى حالة الفوضى التي تحددها المنافسة على السلطة بين الفصائل القبلية المتناحرة والجماعات المسلحة، فضلاً عن الميليشيات المستقلة التابعة لمختلف الأطراف الأجنبية.
و من شأن عدم الاستقرار في ليبيا أن يوفر مرة أخرى أرضًا خصبة للمنظمات الإجرامية العاملة داخل ليبيا وكذلك عبر الحدود للانخراط في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر والمخدرات والإرهاب، فضلاً عن التصدير غير المشروع للنفط والبترول. و يتحمل مسؤولية ذلك كل من الليبيين و شركائهم الأوروبيين والمجتمع الدولي بأسره. و من خلال برامج الدعم في إطار آلية الجوار الأوروبية والصندوق الاستئماني للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا وآلية المساهمة في الاستقرار والسلام، و غيرها، سعى الاتحاد الأوروبي للتخفيف من الآثار الفورية لعدم الاستقرار والأسباب الجذرية لـلهجرة في ليبيا بأكثر من 700 مليون يورو منذ عام 2016.
إلى جانب المؤسسات الإجرامية المنظمة، فإن عدم الاستقرار أو على الأقل إطالة الوضع الحالي، سيفيد كذلك العديد من الجهات الفاعلة الحكومية. فبدلاً من حكومة وطنية قوية قادرة على احتكار الوسائل المشروعة للقوة المادية بالمعنى الكلاسيكي الويبيري، ستكون الحكومات التركية والروسية والإماراتية قادرة على متابعة مصالحها المالية والاقتصادية المختلفة بحرية نسبية وعلى حساب الليبيين.
قد يجد العديد من موظفي حكومة دبيبة، من جهة أخرى، أنفسهم مستفيدين مؤقتًا أو حتى إلى أجل غير مسمى من تأخير الانتخابات. و بما أن دبيبة اعتمد بشكل كبير على ممارسات المحاصصة، أي تعيين أعضاء الحكومة على أساس الانتماءات القبلية ومزايا الدعم، انتهى الأمر بحكومة الوحدة الوطنية إلى الارتباط بالجماعات المسلحة المحلية والمؤسسات غير المشروعة عبر عدد لا يحصى من العلاقات. و مما لا شك فيه أن الترتيبات الحكومية الحالية مفضلة كثيرًا لبقاء مثل هذه الشبكات.
و من أجل هذا الأخير، لا ينبغي أن تمتد فترة حكم دبيبة وحكومة الوحدة الوطنية بأي حال من الأحوال إلى ما بعد الموعد النهائي المحدد في ديسمبر، لأنه لن يؤدي ذلك إلا لتزايد الفرص باستمرار لتعزيز اقتصاد الظل الليبي وعملياته غير المشروعة التي تحددها العلاقات المميزة.
و من أكبر الأخطاء التي يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تجنبها هو افتراض أن الانتخابات ستدخل الديمقراطية إلى السياسة الليبية. كما أبدت أفغانستان مؤخرًا، فإن العكس هو الصحيح. و أن وجود مجتمع مدني ديمقراطي يعمل بشكل صحيح والضمانات الدستورية وضمانات الدولة الحالية هي شروط مسبقة لانتخابات ديمقراطية ناجحة. و بخلاف ذلك تبقى ليبيا بلد لم تتجذر فيه العمليات الديمقراطية بصورة أوسع بعد.
و بالطبع لا يمكن تجاهل مبادرات الاتحاد الأوروبي الموجودة مسبقًا. مما يعني أن إرساء أسس الديمقراطية في المجتمع المدني هو الحجر الأساس لأي استعداد من أجل التحول الديمقراطي. و بالتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة، رعى الاتحاد الأوروبي منظمات المجتمع المدني و فئات الشباب و شجع على نشر المعلومات حول الحكم الرشيد وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون، فضلا عن توفير التدريب على حل النزاعات داخل ليبيا. و لقد عمل الاتحاد الأوروبي بشكل جيد من أجل تشجيع مثل هذه المبادرات، لكنه لم ينجح في الوصول إلى فئة كبيرة من المجتمع الليبي.
و في الأشهر الأخيرة، اقترح المحللون السياسيون فكرة بديلة لإعادة المؤسسات الملكية الليبية بضمانات دستورية مهمة للديمقراطية وحماية حقوق الأقليات. و خطرت نفس الفكرة كذلك لبعض جماعات النشطاء السياسيين الليبيين من قبل، لكنها لم تحظ باهتمام جاد من الدول الغربية الراعية.
و رغم عدم وجود أي ضمانات تقريبًا في الوقت الحالي لحماية مصداقية نتائج انتخابات ديسمبر والتشغيل الناجح للدولة الجديدة، باستثناء الاحتمال الغير المرغوب فيه تمامًا لتأمين ليبيا عبر القوات التي تقودها الأمم المتحدة، فإنه لا يمكن استبعاد فكرة حماية الدولة من خلال ملكية غير تنفيذية وغير متحيزة.
في حالة إجراء الانتخابات دون وجود دستور جاهز، يمكن توقع نقاشات محتدمة حول إرساء أسس دولة ليبيا الجديدة. و سيوفر ذلك للبلاد مع الأسف فرصًا كبيرة للعودة إلى الانقسامات، وربما حتى الصراع، مما يؤدي حتماً إلى فشل تجربتها في الحكم الديمقراطي.
هذا هو المكان الصحيح الذي يمكن أن يقف فيه الملك كجسر بين مختلف فروع الحكومة وأصحاب المصلحة الضروريين في المجتمع، و هو ما يمثل إحساسًا بالاستقرار بينما تختبر الدولة فعالية الحكم الديمقراطي.
إن استعادة عائلة السنوسي، الوريث الشرعي الوحيد للفترة الملكية قصيرة الأمد في ليبيا، لن تكون بالمهمة السهلة. فبعد ما تم نفيهم لأكثر من خمسة عقود و عدم تطلعهم للتصعيد كمطالبين إضافيين بالسلطة على المشهد السياسي المدمر بالفعل، سيكون لدى السنوسيين عمل كبير للقيام به لإضفاء الشرعية على أنفسهم و العمل كفاعلين مستقلين في دولة ليبيا الجديدة.
ومع ذلك، ربما يكون هذا هو بالضبط السبب الذي يدفع الجهات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي إلى اعتبار المسار الملكي الدستوري كخطة عمل قابلة للتطبيق. و أن التطلع إلى تجنب مواجهة عسكرية أخرى بكل الوسائل، فقط من خلال توفير شخصية نزيهة حقيقية للسلطة وغير مرتبطة بأي من القبائل المحلية المتنافسة أو المصالح العسكرية الأجنبية، يمكن أن يكون بمثابة حامي لدولة مستقرة ومستقلة.
و نظرا لاستنفاد جميع السبل الدبلوماسية والتنموية تقريبًا، يجب على الاتحاد الأوروبي التفكير في حلول جديدة، حتى لو كانت غير عادية، لتحقيق الاستقرار على المدى البعيد في ليبيا. و تبقى الملكيات الدستورية بالتأكيد غريبة على جدول أعمال صناع القرارات الغربيين. ومع ذلك، فإن الضمانات المستقلة التي يمكن أن يوفرها النظام الملكي للدولة الليبية الجديدة تستحق النظر فيها في بلد تنتشر فيه المصالح وأصحاب المصلحة بشكل لا نهائي. و سيكون هذا بالتأكيد أفضل من الاعتماد على مزيج غير مستدام من أصحاب المصلحة الدوليين الذين يطمحون فقط لتحقيق مصالحهم الخاصة.