ليبيا لديها فرصة اخري للديمقراطية
حاول الليبيون قبل أحد عشر عاماً استعادة حريتهم والتمتع بالحماية من حكومة ديمقراطية، إلا أن كل محاولات ضمان تلك الحريات لليبيين، خلال الأحد عشر عاما الماضية، باءت بالفشل أو لم تكتمل في أحسن الأحوال. وفي أسوء الأحوال، انتهت مخلفّة وراءها الرعب والحرب. وفي 22 من يونيو، ستغلق الأبواب أمام منتدى الحوار السياسي الليبي، وهي أحدث محاولة للأمم المتحدة من أجل بناء الديمقراطية الليبية. ويحبس الليبيون أنفاسهم الآن في انتظار ما سيحدثه الفشل القادم.
ويعد الافتقار للشرعية الناجم عن عدم أخذ تاريخ ليبيا الفريد بعين الاعتبار من بين أهم هذه الإخفاقات. لذا، ينبغي تغيير الوضع.
كل دولة ديمقراطية لديها فكرة خاصة عن الهوية الوطنية، وتستمد المؤسسات جذورها من قصة وطنية. فبينما تشترك الديمقراطيات الكبرى في العالم في قيم متشابهة، فإنها تعبر عن هذه القيم بطرق مختلفة. فالنظام الأمريكي لن ينجح في فرنسا، كما ان النظام الفرنسي الرئاسي القوي لن ينجح في أمريكا. ومع ذلك، فإن كلا المؤسستين ديمقراطيتان وشرعيتان نظراً لخصائصهما التاريخية. وتوفر هذه الخصائص أي ًضا شعو ًرا بالهوية الوطنية، مما يجبر الناس والسياسيين على ح ٍد سواء على التفكير في مستقبل الأمة.
مثل أي دولة أخرى، تحتاج ليبيا إلى ما يربطها بالماضي. وخلافا للرأي العام، فهي تملك ذلك بالفعل. الليبيون لا يقومون ببناء دولة من الصفر، وإنما يستمرون بدلا من ذلك من حيث توقفوا منذ ما يقرب من 50 عا ًما.
تأسستليبياكدولةديمقراطية.وبعدعقودمنالاستعماروالحرب، ُوضعتليبياعلىطريقالاستقلالفيعام1947. بعدها، كما هو الحال الآن، كانت ليبيا ممزقة بسبب الانقسامات الجغرافية والقبلية. ولإيجاد حل، انخرط كبير مفاوضي الأمم المتحدة، أدريان بيلت، مع مئات الليبيين، الفاعلين وكذا الذين لا حول لهم ولا قوة. وبعدها خلص بيلت وزملاؤه إلى أنه من أجل توحيد ثلاث مناطق وأكثر من مائة قبيلة، فإن الملكية الدستورية هي الأنسب. يمكن للملك أن يو ّحد ويتوسط بين القبائل، في حين أن قصة السنوسية – التي قادت مقاومة ليبيا ضد الاستعمار ولم يكن لها انتماء قبلي – قدمت لليبيا أساساً قوياً للهوية الوطنية. لقد أيّد الليبيون هذه الفكرة، وفي عام 1951، تأسست المملكة الليبية المتحدة .
كانت ليبيا طيلة 18 عا ًما دولة ديمقراطية برلمانية نامية. لقد كان لديها حق الاقتراع العام والقضاء المستقل والانتخابات الدورية وحرية المعتقد والصحافة. وكان بإمكان المرأة أن تصوت في ليبيا قبل أن تتمكن من التصويت في إسبانيا أو سويسرا أو البرتغال. لقد سمح النظام الملكي بحدوث ذلك، وكان بمثابة الغراء موحداً للأمة المنقسمة والقبلية. وفي عام 1969 – قبل يومين من أن يصبح والدي مل ًكا – وبسبب موجة القومية العربية والحرب الباردة التي اجتاحت البلاد تمت الإطاحة بالديمقراطية الوليدة في ليبيا من خلال انقلاب عسكري. ومنذ فقدان هذه الحريات، لم يتمتع بها الليبيون منذ ذلك الحين.
ينظر المزيد من الليبيين اليوم إلى الماضي باعتباره مصدراً للأمل والإلهام. فهناك حركة متنامية في جميع أنحاء ليبيا تدعو إلى استعادة دستور ليبيا السابق لعام 1969 كطريقة لاستئناف الرحلة الديمقراطية لليبيا. على مدى السنوات الـ 11 الماضية، لم يفكر العالم في هذا الخيار، بل اختار الوسطاء المسؤولون عن ليبيا مبادرات قائمة على التخمين والتفكير بالتمني. وكانت النتيجة مجرد جمود أدى إلى إثراء وتمكين الجهات الفاعلة، المحلية والأجنبية، غير المبالية بمعاناة الليبيين العاديين. وبالرغم من ذلك، قد تُسمع أصواتهم مع استنفاذ البدائل تدريجياً.
في الأشهر الأخيرة، عبّر الليبيون عن رأيهم – من خلال لقاءات في مدن ليبية عديدة ، وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضم مئات الآلاف من المتابعين – للدفاع عن فكرة بسيطة ومقنعة: أن استعادة “دستور الاستقلال” هو المسار الوحيد القابل للتطبيق لاستعادة وحدة بلادنا وسلامها وشرعية مؤسساتها والشعور بالهوية الوطنية التي طمسها
الاقتتال الداخلي لفترة طويلة. وأنا أؤيدهم تأييدا تاما. وإذا قرر الليبيون، في النهاية، مرة أخرى أنهم يريدون ملكية
دستورية، فسيكون واجبي المقدس – تجاه أجدادي وعائلتي وأمتي – هو أن أخدمهم حتى آخر نفس. وأطلب فقط نيابة عنهم أن تُمنح لهم الفرصة لاتخاذ القرار.
بينما يتطلع الليبيون إلى الرجوع للتاريخ، أحث مسؤولي الأمم المتحدة على إعادة النظر في التاريخ. لقد ساعدت الأمم المتحدة الليبيين قبل سبعون عاما على تأسيس ديمقراطية خاصة بهم من خلال مراعاة الثقافة والمجتمع الليبي والحاجة إلى الشعور بالهوية. يمكنها أن تطبق الشيء نفسه مرة أخرى من خلال الاستماع إلى الليبيين ، ومن خلال وضع خيار استعادة دستور ليبيا – نتاج وساطة الأمم المتحدة الملهمة – على الطاولة حيث تنتمي. إنها فرصة تاريخية يجب استغلالها.
محمد السنوسي ولي العهد الليبي نشر بجريدة وول ستريت جورنال بتاريخ 16يونيو 2022 رابط المقال: