بسم الله الرحمن الرحيم

الشعب الليبي الكريم

تبَعثُ ذِكرى استقلال بلادنا العزيزة والتي نلتقي جميعاً احتفالاً بها اليوم ؛ في أنفسنا فخراً وتَأثّراً، ونحن نستذكر ما استطاع آبائنا وأجدادنا وفي مقدمتهم الاب المؤسس الملك ادريس السنوسي من تحقيقه بتوفيق من الله عز وجل، مُكَللاً بالإخلاصِ والصدقِ والتفاني، من إنجازٍ نجحوا من خلاله أن يجمعوا أطراف بلادهم المترامية في وطن واحد ، رافعين فوق راياته، شعار التطلع إلى مستقبل واعد في دولة يحكمها الدستور والقانون.

وكما تُحيي هذه الذكرى فينا مشاعر الإعتزاز بما استطاع الليبيون تحقيقه منذ عقود طويلة، فإنها في ذات الوقت، تبعث فينا مشاعر الأسى لما آلت إليه أوضاع بلادنا خلال السنوات الماضية، من صراعات مدمرة على المال والسلطة، حوّل من خلاله العابثين بمقدرات بلادنا؛ أرضها إلى ساحة للحروب والاقتتال، وبثّوا بين أفراد شعبها الأحقاد والنعرات، ولقد عانى مواطنونا من هذا العبث والتلاعب الداخلي والخارجي طويلاً، وقد آن الوقت  لأن ننفض عن أنفسنا وعن بلادنا هذه الحقبة المظلمة من تاريخنا، وقد آن لهذه المعاناة أن تنتهي.

لم يخالجني شك طوال العقود الماضية، أن شعبَنا الأبيّ سيظلُ شامخاً وحائلاً أمام أي محاولات لسرقة حقه التاريخي في استرجاع شرعيته الدستورية المتمثلة في المملكة الليبية، التي تعرضت خلال سنوات طوال لمحاولات وحملات من التشويه والتشكيك ليس آخرها محاولة اختطاف دستور دولة الاستقلال من قبل البعض ، بعد أن بات واضحاً للجميع أنه لا سبيل لإصلاح حال وطننا، إلا بما صلُح أولّه.

لقد أمضيت الشهور والسنوات القليلة الماضية في اللقاء والتشاور مع العديد من القوى الوطنية والاجتماعية في بلادنا، والتي اتفقت جميعاً على اختلاف أفكارها وتوجهاتها، أن الشرعية الدستورية المتمثلة في المملكة الليبية لا زالت تمثل المظلة المناسبة لشركاء الوطن الواحد، وأنه لا سبيل للخروج من المأساة التي ألمت ببلادنا، إلا من خلال حوار وطني يضع نصب عينيه الوصول إلى بر الأمان المتمثل في دولة يحكمها الدستور  .

لقد أوضحت في جميع لقاءاتي مع ممثلي القوى الدولية هذه الرؤية الوطنية الواضحة، والتي لا تقبل التأويل أو التسويف ، في بناء الاتفاق الداخلي حول البناء السليم للعملية السياسية التي تحمل آمال مواطني بلادنا في الوصول إلى طريق يضمن لأمتنا وضع اللبنات السليمة لبناء المستقبل الزاهر والاستغلال المناسب لحفظ ثرواتنا بما يخدم أجيالنا المستقبلية، وموضحاً أننا سنحرص على أن نوفّر خلال المدة القادمة الدعم اللازم لما تتطلبه هذه الخطوات من تشجيع ورعاية مناسبين.

 إن الاختلاف في الآراء والتوجهات هو لأمر إنساني يتوافق مع ما جُبلت عليه طبيعتنا البشرية التي صورنا الله سبحانه وتعالى عليها، ولكن هذا الاختلاف يجب أن يترفع عن الأحقاد والكراهية التي لا تؤدي إلا لمزيد من الشقاق والتباعد. يجب علينا جميعاً أن نمد أيدينا إلى بعضنا البعض، متحررين من أي ماضٍ مؤلم يُكبّل نفوسنا ، وأي أحقاد تلبّد عقولنا ، وأن نسمو فوق واقعنا المؤلم، وأن نشترك جميعاً في بناء طريقٍ مشرق لأجيالنا المستقبلية في وطن يسوده العدل والمساواة والإخاء .