الامير محمد السنوسي

ولد الأمير محمد في منطقة الظهرة بالعاصمة الليبية طرابلس فى العشرين من أكتوبر سنة 1962 وهو النجل الثاني للأمير الراحل الحسن الرضا السنوسي، ولي عهد المملكة الليبية بين (1956- 1969). ولم يكن عمره قد تجاوز السابعة عندما أطاح
” انقلاب عسكري” بعم والده الملك محمد ادريس السنوسي ملك المملكة الليبية، التي توحدّت وأصبحت دولة مزدهرة ونامية واستقلت على يديه فى الرابع والعشرين من ديسمبر سنة 1951. وشاهد الطفل الأمير محمد رتلاً من الدبابات وهي تقتحم مزرعة والده ولي العهد وتطوّق المنزل الكائن بمنطقة السواني بطرابلس وتبادر باعتقاله في الأول من سبتمبر 1969 ويقتاده الجنود وهم يصرخون بأن لديهم أوامر بالقبض عليه من طرف قادة الانقلاب. ثم شاهد جنودا آخرين ينهبون محتويات المنزل ويخربون بعضها.

ومر الأمير محمد بفترة صعبة و تغيرت حياته تماماً. وهو يرى والده في السجن قبل ان يتمكن الانقلابيون من توجيه اتهامات ملفقة ومتهافتة حوكم وأدين بموجبها بثلاث سنوات .وسمح ” العسكر” للأمير محمد واشقائه بزيارة والدهم في السجن مرة واحدة كل أسبوع. ويعتقد الأمير محمد بأن هذه الزيارات لوالده داخل السجن وفى هذه الأوقات العصيبة ، كان لها الآثر الكبير فى تكوين شخصيته وتعميق نظرته للحياة والناس .إذ أنّ مثل هذه التجارب المريرة هي التي تُعمّق فى نفس الانسان معنى الشعور بالظلم وعمق معاناة الاضطهاد وعشق الحرية.

بعد الافراج عن والده ، وضعت العائلة تحت الإقامة الجبرية لمدة سبع سنوات في طرابلس. حيث كانت عساكر الجيش حاضرة ومتواجدة على مدار الليل والنهار حول المنزل وداخل الحديقة. وكان يتم تفتيش كل من يسمح لهم بزيارة ولى العهد تفتيشاً شخصياً ودقيقاً. وقد سحب من جميع أفراد الأسرة جوازات سفرهم وكل الأوراق الثبوتية. ويقول الأميرمحمد متذكراً هذه المحنة العصيبة : بأنها كانت عملية عزل كاملة عن الناس وتجريد للهوية.

فى نهاية 1977 رفعت الإقامة الجبربة عن والده. ورغم كل هذا العزل والاضطهاد فقد كان الكثير من المواطنين يظهرون الاحترام للعائلة ويقوم العديد من مختلف أنحاء ليبيا بزيارة الأسرة. تجلى هذا الحب والإحترام لدى أدائه لصلاة الجمعة فى جامع ادريس وسط طرابلس بعد رفع الإقامة الجبرية عنه، حيث تجمع الناس لمصافحته ومعانقته بحرارة.الأمر الذي أثار حفيظة السلطات وغضبها ودفعها إلى إصدار أمر بمنع ولي العهد السابق من أداء صلاة الجمعة في المساجد وذلك في نهاية 1978.

وفي شهر فبراير من العام 1984، أصدر النظام أمرا بحرق المنزل الذي تقيم فيه الأسرة ، وحضر لهذه المهمة عشرات من عناصر اللجان الثورية والمخابرات الى البيت ليكسروا الباب. ويخرجوا كل العائلة طالبين منهم أن يقفوا جانبا لمشاهدة النيران التي أضرموها فى محتوياته. ووقفت العائلة تشاهد النيران وهي تأتي على كل محتويات المنزل ومتعلقات الأسرة بما في ذلك الصور الشخصية والأوراق الخاصة.

وفي نفس السنة، قام النظام بتدمير الزاوية السنوسية الكائنة بواحة الجغبوب شرق ليبيا وهي المقر الروحي للحركة السنوسية. وقد قام النظام بهدم الجامع والزاوية والضريح ونبش قبر الامام محمد بن على السنوسي المدفون به منذ مئة وعشرين عاما، وإخراج رفاته والعبث به ثم رميه فى مكان مجهول بالصحراء .

ظلت الأسرة تعيش هذه الأجواء الرهيبة من الضغوط والمعاناة بطرابلس مثلها مثل باقي أفراد الشعب حتى العام 1987، حيث اعتلت صحة ولي العهد وأصيب بجلطة. فسمح له بالسفر إلى الخارج رفقة الأمير محمد فقط لتلقي العلاج في المملكة المتحدة . ثم بعد مضي ثمانية أشهرسمح لبقية أفراد الأسرة في اللحاق به.

وفي 28 أبريل 1992، انتقل ولي العهد إلى الرفيق الأعلى، ونقلته الأسرة الى المدينة المنورة ليدفن بمقبرة البقيع الى جانب عمه الملك ادريس السنوسي، وترك نجله الأمير محمد خلفاً له وراعيا للأسرة ووليا للعهد. وقد تحمل الأمير محمد واشقاؤه مسئولية الاهتمام بشئون الأسرة فى سن مبكرة. فالتحق فى بداية الثمانينات بوظيفة بوزارة الزراعة الليبية حيث عرفت شخصيته بالبساطة والتواضع وبساطة الأسرة السنوسية من جانب والده، وأسرة باكير من جانب الوالدة، كريمة رجل العلم والدولة الأستاذ والعالم الشيخ الطاهر باكير. وفى هذا البيت الكبير ووسط هذه الأسرة الكريمة نشأ الأمير محمد رجلا دمث الأخلاق ، ودودا وشهما وكريما وذا علاقات وصداقات واسعة مع شرفاء الليبيين واخيارهم. سائرا على نهج الآباء والأجداد محبا لرياضة الفروسية،  والسباحة.

“يقول الامير محمد : أنا لا أحب أن أرى الظلم وأنفر من إيذاء الناس ويؤلمني بؤس الأخرين ومعاناتهم . ويعود ذلك إلى تجاربي القاسية ، وما حدث لعائلتي والليبيين على يد الانقلابيين من ظلم واضطهاد. وشدد الأمير محمد قائلا : يجب أن يعيش كل الناس بكرامة، وينبغي أن لا يظلم بعضهم بعضا وأن لا يتعدوا على حياة الآخرين.”