عودة الى المقالات

دستور جديد (قديم) لليبيا؟

قدم الدستور الليبي عام 1951 حريات سياسية واجتماعية واسعة للشعب الليبي قد تشبه أجزاء منه دستور أوروبا الغربية، اذ تكفل المادة 11 سيادة القانون، والمادتان 22 و23 حريتا الضمير والصحافة. وكان النظام البرلماني قائمًا على حق الاقتراع العام للبالغين، في وقت لم تسمح فيه سويسرا – تلك المنارة الليبرالية في قلب أوروبا – للنساء بالتصويت في الانتخابات الفيدرالية.

لاحقاً، استبدَلَ العقيد القذافي الدستورَ بالكتابِ الأخضر المكون من اثنان وثمانون صفحة ونُشر أولُ مجلدٍ منه عام 1975. لم يضمن الكتاب أي من حقوق الانسان كما ادعى القذافي، بل كان بمثابة كتاب لعبادة شخصيته ويضر بالحقوق والحريات في ليبيا.

وأعلن إيفو موراليس بصراحة حماسه ل ” الفكر” الذي يحمله الكتاب. وكان الطلاب يخضعون لساعات لا تحصى من المحاضرات حول نظرياته.

ومن غير المستغرب أن يكون أحد أوائل المباني التي تعرضت للهجوم في بنغازي في فبراير/شباط عام 2011 عندما بدأت الثورة ضد القذافي هو “مركز قراءة ودراسة الكتاب الأخضر “، اذ بُعثرت آنذاك نسخٌ منه في الشوارع. بعد ذلك بثمانية أشهر فقط، كان الليبيون يصطفون في طوابير لرؤية جثة القذافي.

عقد من النزاع

منذ ذلك الحين، تمزقت ليبيا بسبب الصراع الداخلي، وهو أمر ليس من المستغرب في مجتمع منقسم إلى 140 قبيلة رئيسية وعدد كبير من القبائل الفرعية.

وقد حكم البلاد العديد مما أُطلق عليه مجازاً بحكومات “الوحدة” منذ عام 2011. ويبدو من المستحيل إصلاح الحكومتين الحاليتين وهما حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة أو ما أصبح يعرف باسم حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، ومجلس النواب أي البرلمان الشرقي في ليبيا. ولايزال الجنرال المنشق ذو الثمانية والسبعين عاما خليفة حفتر وما يسمى بالجيش الوطني الليبي التابع له يسيطرون على شرقيّ البلاد، حيث يتركز معظم مخزون ليبيا من النفط.

و لا يزال الوضع السياسي هشًا مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية في الرابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر). قبل ذلك الحين، سيتعين على حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي المنتهية ولايته والمكون من ثلاثة أعضاء أن يحلوا الحكومة سلميًا، وهو أمر صعب في بلد عسكري ومليء بالأسلحة كما هو حال ليبيا اليوم. ففي الشهر الماضي، اقتحم مسلحون فندقًا في طرابلس يستخدمه مجلس الرئاسة كمقر؛ في حين لم يصب أحد بأذى، فإن الحادث يدل على عدم استقرار الوضع هناك. والسياسة، كما الطبيعة، تمقت الفراغ.

تعد ليبيا اليوم واحدة من أكثر دول العالم فسادًا (تصنف بعد أكثر الدول فشلا، بما في ذلك اليمن وسوريا وفنزويلا)، كما تعد واحدة من أسوأ البلدان في التجارة (أكثر مخاوف ليبيا إلحاحًا)، ومما لا يثير الدهشة، أنها واحدة من أقل البلدان حرية، وتحتل مرتبة أسوأ من اليمن في مؤشر فريدوم هاوس الأخير. كما احتلت مكانا عاليا منذ عام 2011 في مؤشر الدول الهشة.

من الواضح أن ما تحتاجه ليبيا – والليبيون – هو شيء أو شخص – زعيم، أو حكومة، أو شيء ما – يمكنهم الالتفاف حوله.

التحالف الدستوري

ما يحتاجه الليبيون حقاً هو دستور عام 1951. فبينما تظاهر القذافي بأن ليبيا دولة عربية إسلامية متجانسة، متجاهلاً الاختلافات العرقية واللغوية والدينية المهمة الأخرى، حظي دستور عام 1951 ونظام الحكم الذي نص عليه – وهو نظام ملكي وراثي مع نظام حكم تمثيلي – بتأييد واسع النطاق امتد لوقتنا الحالي.

ينص دستور عام 1951 على أن التكنوقراطية هي شكل خبيث من أشكال الحكم في كثير من الأحيان، ومع ذلك فهي بالتأكيد لها مكانها، لا سيما في أوقات الأزمات. فعلى سبيل المثال، كان تعيين ماريو دراجي رئيسًا للوزراء الإيطالي في فبراير قراراً حاسمًا في استقرار النظام السياسي الذي أوشك على الانهيار.

يشكل دعم شريحة واسعة من الليبيين لاستعادة دستور عام 1951 والنظام الملكي دليلا على ما سبق. ومن المشجع في الأمر أن أولئك الذين يقومون بحملات من أجل “عودة الشرعية الدستورية” كانوا حركات شعبية حقيقية. كما يتقبل زعماء القبائل والسياسيون أيضًا فكرة إعادة تأسيس ملكية دستورية.

دعا محمد عبد العزيز، وزير الخارجية في الفترة من العام 2013 إلى 2014، إلى حكم ملكي رمزي – كما هو الحال في بلجيكا وبريطانيا وإسبانيا – متعهداً “بالأخذ على عاتقه” الضغط من أجل عودة النظام الملكي. كان عبد العزيز محقًا في القول بأن عودة النظام الملكي هي أفضل حل لاستعادة الأمن والاستقرار في بلاده بعيدًا عمما ادعى البعض بأنه خيارٌ سياسيٌ غير قابلٍ للتطبيق.

كان النظام الملكي بمثابة رمز للوحدة، مدعومًا بشعبية الملك إدريس وعائلة السنوسي و من الممكن أن يتحقق ذلك مرة أخرى. اذ صرح ويليام إتش لويس ، المتخصص في شؤون المنطقة ، بأن الأولوية السياسية لـ “إدريس” كانت حتمية بسبب قبوله بين معظم الفصائل السياسية الليبية والجماعات المتنافسة كمرشح وسط ، ولكونه شخصية سياسية دون أي أجندة خاصة به.

توفي إدريس عام 1983، و توفي ابن أخيه وولي العهد ، حسن السنوسي ، بنوبة قلبية في لندن عن عمر يناهز 65 عامًا بعدها بتسع سنوات.

وقبل وفاته، عيّن حسن محمد، نجله الثاني، رئيسا للبيت الملكي في ليبيا. ويعدّ الملكيون الليبيون محمد الوريث الشرعي. وفي عام 2011، أعرب حسن أمام البرلمان الأوروبي عن تفضيله استعادة دستور عام 1951، وأنه سيكون الخيار الأفضل لليبيا.

 ولكون محمد في المنفى منذ عام 1988 لن يكون له هو أيضا، أجندة خاصة، ولا يمكن قول الشيء نفسه عن كثيرين في ليبيا، وسيرفض محمد صراع السياسيين الفاسدين والمسببين للانقسام، ليشكل نقطة محورية للوحدة الوطنية التي من شأنها أن تتجاوز القبلية والقضايا الدينية. وستشجع عودته الليبيين مرة أخرى على التفكير في أنفسهم على أنهم ليبيون قبل أن يفكروا في نسب أنفسهم إلى مجموعة قبلية معينة، كما حثّت صحيفة “شمال أفريقيا بوست” الأمم المتحدة على أن “تُمنح ليبيا فرصة لملكية دستورية”.

يمثل النظام الملكي الدعامة الأساسية التي ستمنع ليبيا من الانهيار، يتوجب على المرء أحياناً أن ينظر إلى الماضي بحثًا عن الطريق الصحيح للمضي قدمًا.

عن الكاتب: شلومو رويتر جيسنر هو الرئيس والمؤسس المشارك لمنتدى كامبريدج للشرق الأوسط وشمال افريقيا (www.cmenaf.org). قبل تأسيس المنتدى شغل شلومو منصب ملازم في قسم التخطيط الإستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية والسياسة من جامعة كامبريدج وماجستير في الاقتصاد والمخاطر العالمية من جامعة جونز هوبكنز. كما يشغل شلومو منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة F & R الإستراتيجية(www.frstrategy.co.uk) والتي تتخذ من لندن مقراً لها، وهي شركة استشارية جيوسياسية تعمل بالسياسة والتجارة.