عودة الى المقالات

خطط الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال انتخابات ديمقراطية لوحدها معرضة للفشل

أشرف بودواره

استثمر الاتحاد الأوروبي منذ سنوات جهوده الدبلوماسية، بالإضافة إلى ضخ ملايين اليوروهات في سبيل الإحساس بالأمن في ليبيا. مما يحمي أوروبا ظاهريًا من مشكل تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط والاتجار غير المشروع بالمخدرات والآثار الشاملة لعدم الاستقرار التي خلفتها الحرب الأهلية الليبية. و مع اقتراب موعد انتخابات 24 ديسمبر، يعتمد الاتحاد الأوروبي وكذلك الدول الأعضاء المنفردة و التي قادت الجهود الفردية، على إرساء الشرعية الديمقراطية للدولة الليبية الجديدة من خلال أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد.

ورغم ذلك، فإن الفرصة السانحة لتحقيق الاستقرار المطلوب بشدة تتقلص بشكل مقلق. و مع عدم وجود تطور ملموس يتحقق من خلال مؤتمرات برلين التي ترعاها ألمانيا ومحادثات جنيف المدعومة من الأمم المتحدة والعديد من الاجتماعات متعددة الأطراف الأخرى التي عقدت تحت الإشراف الإيطالي، لا تزال ليبيا تفتقر إلى الأسس الدستورية اللازمة لتحقيق الاستقرار. و لا يزال عدد لا يحصى من المرتزقة المسلحين الأجانب يتمركزون داخل حدود البلاد. وتثير حكومة الوحدة الوطنية (GNU)، بقيادة عبد الحميد دبيبة والمبنية على نظام المحاصصة أو الانقسامات بين الفصائل و الانقسامات الإقليمية، المزيد من الأسباب المثيرة للقلق.

الانتخابات في حد ذاتها غير كافية لضمان أهداف على المدى البعيد بالنسبة للاتحاد الأوروبي، و كذا أهداف المواطنين الليبيين. و أن التحضير للانتخابات وإجرائها بطريقة منظمة، وربما الأهم من ذلك هو الحفاظ على مصداقية النتائج، هو ما يمثل أعظم اختبار لأكثر من عقد من الجهود الدولية.

و في حالة تأجيل الانتخابات أو فشل إجرائها تمامًا، فهناك خطر جدي يتمثل في عودة ليبيا إلى حالة الفوضى التي تحددها المنافسة على السلطة بين الفصائل القبلية المتناحرة والجماعات المسلحة، فضلاً عن الميليشيات المستقلة التابعة لمختلف الأطراف الأجنبية.

و من شأن عدم الاستقرار في ليبيا أن يوفر مرة أخرى أرضًا خصبة للمنظمات الإجرامية العاملة داخل ليبيا وكذلك عبر الحدود للانخراط في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر والمخدرات والإرهاب، فضلاً عن التصدير غير المشروع للنفط والبترول. و يتحمل مسؤولية ذلك كل من الليبيين و شركائهم الأوروبيين والمجتمع الدولي بأسره. و من خلال برامج الدعم في إطار آلية الجوار الأوروبية والصندوق الاستئماني للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا وآلية المساهمة في الاستقرار والسلام، و غيرها، سعى الاتحاد الأوروبي للتخفيف من الآثار الفورية لعدم الاستقرار والأسباب الجذرية لـلهجرة في ليبيا بأكثر من 700 مليون يورو منذ عام 2016.

إلى جانب المؤسسات الإجرامية المنظمة، فإن عدم الاستقرار أو على الأقل إطالة الوضع الحالي، سيفيد كذلك العديد من الجهات الفاعلة الحكومية. فبدلاً من حكومة وطنية قوية قادرة على احتكار الوسائل المشروعة للقوة المادية بالمعنى الكلاسيكي الويبيري، ستكون الحكومات التركية والروسية والإماراتية قادرة على متابعة مصالحها المالية والاقتصادية المختلفة بحرية نسبية وعلى حساب الليبيين.

قد يجد العديد من موظفي حكومة دبيبة، من جهة أخرى، أنفسهم مستفيدين مؤقتًا أو حتى إلى أجل غير مسمى من تأخير الانتخابات. و بما أن دبيبة اعتمد بشكل كبير على ممارسات المحاصصة، أي تعيين أعضاء الحكومة على أساس الانتماءات القبلية ومزايا الدعم، انتهى الأمر بحكومة الوحدة الوطنية إلى الارتباط بالجماعات المسلحة المحلية والمؤسسات غير المشروعة عبر عدد لا يحصى من العلاقات. و مما لا شك فيه أن الترتيبات الحكومية الحالية مفضلة كثيرًا لبقاء مثل هذه الشبكات.

و من أجل هذا الأخير، لا ينبغي أن تمتد فترة حكم دبيبة وحكومة الوحدة الوطنية بأي حال من الأحوال إلى ما بعد الموعد النهائي المحدد في ديسمبر، لأنه لن يؤدي ذلك إلا لتزايد الفرص باستمرار لتعزيز اقتصاد الظل الليبي وعملياته غير المشروعة التي تحددها العلاقات المميزة.

و من أكبر الأخطاء التي يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تجنبها هو افتراض أن الانتخابات ستدخل الديمقراطية إلى السياسة الليبية. كما أبدت أفغانستان مؤخرًا، فإن العكس هو الصحيح. و أن وجود مجتمع مدني ديمقراطي يعمل بشكل صحيح والضمانات الدستورية وضمانات الدولة الحالية هي شروط مسبقة لانتخابات ديمقراطية ناجحة. و بخلاف ذلك تبقى ليبيا بلد لم تتجذر فيه العمليات الديمقراطية بصورة أوسع بعد.

و بالطبع لا يمكن تجاهل مبادرات الاتحاد الأوروبي الموجودة مسبقًا. مما يعني أن إرساء أسس الديمقراطية في المجتمع المدني هو الحجر الأساس لأي استعداد من أجل التحول الديمقراطي. و بالتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة، رعى الاتحاد الأوروبي منظمات المجتمع المدني و فئات الشباب و شجع على نشر المعلومات حول الحكم الرشيد وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون، فضلا عن توفير التدريب على حل النزاعات داخل ليبيا. و لقد عمل الاتحاد الأوروبي بشكل جيد من أجل تشجيع مثل هذه المبادرات، لكنه لم ينجح في الوصول إلى فئة كبيرة من المجتمع الليبي.

و في الأشهر الأخيرة، اقترح المحللون السياسيون فكرة بديلة لإعادة المؤسسات الملكية الليبية بضمانات دستورية مهمة للديمقراطية وحماية حقوق الأقليات. و خطرت نفس الفكرة كذلك لبعض جماعات النشطاء السياسيين الليبيين من قبل، لكنها لم تحظ باهتمام جاد من الدول الغربية الراعية.

و رغم عدم وجود أي ضمانات تقريبًا في الوقت الحالي لحماية مصداقية نتائج انتخابات ديسمبر والتشغيل الناجح للدولة الجديدة، باستثناء الاحتمال الغير المرغوب فيه تمامًا لتأمين ليبيا عبر القوات التي تقودها الأمم المتحدة، فإنه لا يمكن استبعاد فكرة حماية الدولة من خلال ملكية غير تنفيذية وغير متحيزة.

في حالة إجراء الانتخابات دون وجود دستور جاهز، يمكن توقع نقاشات محتدمة حول إرساء أسس دولة ليبيا الجديدة. و سيوفر ذلك للبلاد مع الأسف فرصًا كبيرة للعودة إلى الانقسامات، وربما حتى الصراع، مما يؤدي حتماً إلى فشل تجربتها في الحكم الديمقراطي.

هذا هو المكان الصحيح الذي يمكن أن يقف فيه الملك كجسر بين مختلف فروع الحكومة وأصحاب المصلحة الضروريين في المجتمع، و هو ما يمثل إحساسًا بالاستقرار بينما تختبر الدولة فعالية الحكم الديمقراطي.

إن استعادة عائلة السنوسي، الوريث الشرعي الوحيد للفترة الملكية قصيرة الأمد في ليبيا، لن تكون بالمهمة السهلة. فبعد ما تم نفيهم لأكثر من خمسة عقود و عدم تطلعهم للتصعيد كمطالبين إضافيين بالسلطة على المشهد السياسي المدمر بالفعل، سيكون لدى السنوسيين عمل كبير للقيام به لإضفاء الشرعية على أنفسهم و العمل كفاعلين مستقلين في دولة ليبيا الجديدة.

ومع ذلك، ربما يكون هذا هو بالضبط السبب الذي يدفع الجهات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي إلى اعتبار المسار الملكي الدستوري كخطة عمل قابلة للتطبيق. و أن التطلع إلى تجنب مواجهة عسكرية أخرى بكل الوسائل، فقط من خلال توفير شخصية نزيهة حقيقية للسلطة وغير مرتبطة بأي من القبائل المحلية المتنافسة أو المصالح العسكرية الأجنبية، يمكن أن يكون بمثابة حامي لدولة مستقرة ومستقلة.

و نظرا لاستنفاد جميع السبل الدبلوماسية والتنموية تقريبًا، يجب على الاتحاد الأوروبي التفكير في حلول جديدة، حتى لو كانت غير عادية، لتحقيق الاستقرار على المدى البعيد في ليبيا. و تبقى الملكيات الدستورية بالتأكيد غريبة على جدول أعمال صناع القرارات الغربيين. ومع ذلك، فإن الضمانات المستقلة التي يمكن أن يوفرها النظام الملكي للدولة الليبية الجديدة تستحق النظر فيها في بلد تنتشر فيه المصالح وأصحاب المصلحة بشكل لا نهائي. و سيكون هذا بالتأكيد أفضل من الاعتماد على مزيج غير مستدام من أصحاب المصلحة الدوليين الذين يطمحون فقط لتحقيق مصالحهم الخاصة.