تداعيات غياب الهوية الوطنية في ليبيا
الامين اشتيوي أبوالمغاير
عندما استعادت طالبان أفغانستان، أشار الرئيس الروسي بوتين للأحداث التي وقعت هناك كدليل على عدم حكمة السياسة الغربية. و في تفسيره، كان ذلك دليلا على أن الوقت قد حان لأن ينهي الغرب “السياسة غير المسؤولة لفرض القيم الأجنبية”. وانتقد الرغبة غير المثمرة في “بناء الديمقراطية في بلدان أخرى وفقا للقوالب الأجنبية، وتجاهل التقاليد التي تعيش عليها الدول الأخرى بشكل تام”.
رغم إشارة بوتين لمثل هذه المفاهيم في كثير من الأحيان تبريرا للحكم الاستبدادي الذي يفرضه في روسيا و كذا حلفائه في جميع أنحاء العالم، إلا أنه لايزال هناك ما يمكن قوله في حق هذا الحذر من جانب الغرب عندما يتعلق الأمر بدولة أخرى و التي تجد نفسها في خطر كبير وهي ليبيا.
أعلنت الأمم المتحدة في أواخر العام الماضي أن الانتخابات الوطنية ستجرى في ليبيا بتاريخ 24 ديسمبر 2021 بعد محادثات في تونس. و في 8 سبتمبر، صادق مجلس النواب على قانون يقضي بإجراء انتخابات رئاسية مباشرة، وبعد ذلك بوقت قصير أيدت القوى الغربية دعوة الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
دعا يان كوبيش، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مؤخرا إلى إجراء انتخابات “شاملة وذات مصداقية قدر الإمكان في ظل الظروف والتناقضات الشاقة والصعبة”. وحذر من أن عدم إجراء الانتخابات قد يعمق الانقسامات ويؤجج الصراع. إلا أن الانتخابات غير الكاملة أو أي انتخابات قد تمر في وضع مثل الوضع الحالي في ليبيا، كما يؤيد كوبيش، من المرجح أن تؤدي إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي بدلاً من مساعدة ليبيا في طريقها نحو المضي قدما.
و بما أنه من المفترض أن يستقيل المرشحون الرئاسيون قبل ثلاثة أشهر من يوم الانتخابات، بدلا من الاحتفال بيوم الاستقلال الليبي بانتخابات ستشهد فيها البلاد ظاهريا نوعا من التقدم، فمن المرجح بشدة أن إجراء الانتخابات في أقرب وقت سيعمق الأزمة الحالية في ليبيا.
لقد حذرت ويسبرين بيل، وهي شركة استشارية لإدارة المخاطر، مؤخرا من أن معارضة الانتخابات في الأجزاء الغربية من ليبيا قد تؤدي إلى “هجمات مباشرة على المكونات المتعلقة بالانتخابات”، بما في ذلك تلك الخاصة بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات وحتى المرشحين المحتملين. و قد كان القتال في طرابلس في وقت سابق من هذا الشهر هو الأسوأ منذ عام.
يتطلب إجراء الانتخابات قدر معين من تماسك الدولة، والانتخابات التي يعتبرها الشعب شرعية. تفتقر ليبيا، في الوقت الحاضر، بشدة لتماسك الدولة بشكل كافٍ. و قد أترث قضايا مماثلة على الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 2018 قبل تعليقها بسبب اندلاع أعمال العنف. و بعد ذلك أشار معهد الدراسات السياسية الدولية إلى أنه “دون الأشخاص الذين يطلق عليهم رسميا اسم الليبيين، فنحن بعيدون جدا عن الانتخابات التي تحتل المرتبة الأولى في أذهانهم”. و ينطبق نفس الشيء على الوضع الحالي اليوم.
وذكر معهد الدراسات السياسية الدولية أيضا أن الشعور بالهوية الليبية، أو غيابها، هو الذي سيحدد مصير ليبيا على المدى القريب. لذلك يجب أن تحظى هذه النقطة بكل التركيز في البلاد. و في الوقت الحالي، نظرا للافتقار الملحوظ للهوية الوطنية، فإن الانتخابات، كما ذكر أعلاه، من المرجح أن تضر بالبلد أكثر من مساعدته. و كما كتب إيغور تشيرستيتش، الخبير في شؤون ليبيا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، في سنة 2011، “يجب على أي قوة تحاول الاستيلاء على حكم البلاد أن تظهر شرعيتها الوطنية”. و يعتبر ذلك في الوقت الراهن احتمالا بعيد المنال.
يبقى الأمر الحاسم على المدى الطويل، كوقف العنف، هو العمل على خلق هوية وطنية شاملة في ليبيا. و في الواقع، من المرجح أن يكون لتحقيق هذه الأخيرة تأثير إيجابي على البلد وهي شرط أساسي من أجل انتخابات ناجحة.
كما هو الحال منذ فترة طويلة في ليبيا، يستمد الأفراد هوياتهم من عوامل قبلية أو عائلية أو إقليمية، مما يقوض أي إحساس متماسك بالهوية الوطنية. و يمكن إرجاع سبب هذه الانقسامات إلى سياسات الاستعمار الإيطالي في البلاد، والتي أدت إلى تقسيم الليبيين. و ربما لا عجب من مجتمع مقسم إلى 140 قبيلة رئيسية وعدد كبير من القبائل الفرعية. حتى أن توماس فريدمان ادعى أن ليبيا ليست “دولة حقيقية”، بل مجرد مجموعة من “القبائل التي ترفع أعلامها”. وكما توقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تزايد الجماعات السياسية الداعية للانقسام والميليشيات في العقد الأخير منذ الإطاحة بالقذافي قد قوض إعادة تأسيس هوية وطنية شاملة.
بدلاً من الاحتفال بيوم الاستقلال بمثل هذه الانتخابات التي يحتمل أن تكون لها آثار سلبية، ينبغي على الليبيين أن يعيدوا التفكير في الرجل الذي تولى العرش في ذلك اليوم من عام 1951: الملك إدريس. إن إعادة فرض حكم عشيرة السنوسي التي تأسست بموجب دستور عام 1951 ستشهد استعادة ليبيا للدولة الموحدة التي كانت قائمة من قبل، مما يعكس ترسيخ الهوية الوطنية الليبية الموحدة. إن أهمية تلك الحركة، التي توقفت لمدة 40 عاما بسبب استبداد القذافي، على الرغم من اقتصارها تاريخيا على شرق البلاد، أصبحت أكثر وضوحا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وقد تبنى البعض ذلك بالفعل، بما في ذلك حركات شعبية حقيقية من أجل استعادة النظام الذي وضعه دستور عام 1951. ومع ذلك، فإن موقفهم يتطلب اعتبارات أكبر، وأكثر جدية بكثير. بدلاً من التركيز على الجهود الدولية التي لم تصل لأي شيء حتى الآن و التي أدت فقط لتقسيم البلاد أكثر من توحده. يجب على المهتمين بمستقبل ليبيا أن يتطلعوا إلى حركات تتوق لخلق الأساس لما هو مفقود للغاية في ليبيا اليوم، و هو ما يتمثل في هوية وطنية متماسكة.
ميتشل رايدنج هو محلل في CRI Ltd، وهي شركة متخصصة في الخدمات الاستشارية يقع مقرها بلندن، وهو أيضا باحث في ويكيستارت. عمل ميتشل سابقا في مكتب أوروبا وأوراسيا في AKE، حيث قام أيضا بتغطية مناطق ما بأفغانستان. و عمل مع مجموعة أكسفورد للأعمال، حيث ساهم في تقارير حول مجموعة واسعة من الأسواق الناشئة والحدودية.